نصيحة لمن يخجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

0 232

السؤال

فإني لأحمد الله على أن زادني علما بديني وتفقها فيه، ومشكلتي تكمن في موضوع النصح والإرشاد، فأنا مثلا رأيت كثيرا من المصلين لا يحققون ركن الطمأنينة، ورأيت الكثير أيضا لا يقومون بتكبيرة الإحرام بالشكل الصحيح، ولكني أجد صعوبة بالغة في نصحهم وإخبارهم بخطئهم، ويبدأ يخطر ببالي مبررات ليس لها معنى، وإنما تصدر للمحاولة من التهرب من هذا الفرض فقط، وفي موقف آخر أسمع كثيرا من طلاب مدرستي يحلفون بأعراض أمهاتهم وأخواتهم، وبشرفهن كذلك، ويحملون حقائب مدرسية تحمل شعار برشلونة الذي عليه صليب، ولأن هذه الظواهر شائعة في المدرسة، فإنه يغلب على ظني أني لو نصحتهم ونهيتهم عن ذلك أنهم لن يستجيبوا لي، وسيسخرون مني؛ خصوصا أن أستاذنا الذي يدرس مادة الدين نهى عن الحلف بأعراض الأمهات أكثر من مرة، ولم يستجب له أحد؛ ولأن هذا الموضوع يتعلق بالآخرين فأجده أصعب بكثير من الفرائض التي تتعلق بالنفس، كضبط الشهوة مثلا، فهل أنا آثم؟ أفيدوني بطريقة تجعل موضوع النصح والإرشاد يسيرا علي، بل أمرا محببا - جزاكم الله خيرا -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالأصل أن إنكار المنكر لا يسقط، ولو تعددت المنكرات، وضاق أصحابها من الإنكار ما لم يكن ضرر حقيقي على المحتسب، وراجع الفتوى رقم: 239167، وتوابعها.

وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 225298، وتوابعها جملا مما يحتاج إليه الناهي عن المنكر وإرشادات.

فإن بلغ الأمر أنه يغلب على الظن عدم انتفاعهم بالتذكير أي انتفاع، ولا ينتهون، ولا يقللون المنكر لم يلزمك الإنكار، وراجع الفتوى رقم: 131259، وكذلك الأمر لو غلب على ظنك أن الإنكار قد يؤدي إلى منكر أكبر، وراجع الفتوى رقم: 67880.

ولكننا لا نوافقك على دعواك - أنهم لا يستجيبون لكثرة المنكرات بالمدرسة - بل الغالب أن كثيرا قد يستجيبون، لا سيما من كان يجهل الحكم، كمن يخطئ في الصلاة، أو يلبس ما عليه شعار الكفر، فاستعن بالله، وادعهم، ولا يكن همك مجرد فعل الواجب، بل احرص على إنقاذهم مما وقعوا فيه حرص الطبيب الرحيم على إنقاذ المريض من الهلكة.

ونختم لك بنصيحة عظيمة للحافظ ابن رجب تهون على العبد ما يلقاه من ضيق في إنكاره المنكرات: واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل عليه رجاء ثوابه، وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارة النصيحة للمؤمنين، والرحمة لهم، ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة، وتارة يحمل عليه إجلال الله، وإعظامه، ومحبته، وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، وأن يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال، كما قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله، وإن لحمي قرض بالمقاريض. وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز - رحمهما الله - يقول لأبيه: وددت أني غلت بي وبك القدور في الله - عز وجل -. ومن لحظ هذا المقام والذي قبله، هان عليه كل ما يلقى من الأذى في الله تعالى، وربما دعا لمن آذاه، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ضربه قومه فجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) (متفق عليه). انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة