السؤال
أريد أن أعرف هل القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يشفي الأمراض البدنية، والروحية، مثل: السرطان، والسحر، وغير ذلك من الأمراض، وأن الكتب الأخرى، مثل: الإنجيل، والتوراة غير قادرة على أن تفعل ذلك؟ وما حكم من زعم أن كتبهم تشفي الأمراض، مثل: السرطان، والسحر، كما يشفي القرآن المسلمين -جزاكم الله خيرا-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا ما يجزم به فيما ذكرت من كون الرقية بالتوراة، والإنجيل تشفي من الأمراض المذكورة أم لا؟ فلم نجد نصا من الوحي، ولا من كلام أهل العلم يفصل في هذا الشأن.
ولا شك أن الأصل في التوراة، والإنجيل أنهما كلام الله، ولكن حصل التحريف فيهما، فلا يوثق في الموجود الآن هل هو من كلام الله، أو من المحرف.
وقد روي عن أبي بكر -رضي الله عنه- ما يدل على إمكان الانتفاع بما فهم معناه من التوراة.
فقد جاء في الأم للشافعي: باب ما جاء في الرقية. سألت الشافعي عن الرقية، فقال: لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله، وما يعرف من ذكر الله، قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ فقال: نعم، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله، أو ذكر الله، فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: غير حجة, فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله. فقلت للشافعي: فإنا نكره رقية أهل الكتاب، فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر، ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب، ونساءهم، وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا، أو أخف. اهـ.
وقال الباجي في المنتقي: قول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه -لليهودية: ارقيها بكتاب الله عز وجل، ظاهره أنه أراد التوراة; لأن اليهودية في الغالب لا تقرأ القرآن، ويحتمل -والله أعلم- أن يريد بذكر الله عز اسمه, أو رقية موافقة لما في كتاب الله تعالى، ويعلم صحة ذلك بأن تظهر رقيتها، فإن كانت موافقة لكتاب الله عز وجل، أمرها بها، لم يكن على هذا الوجه، ففي المستخرجة عن مالك: لا أحب رقى أهل الكتاب، وكرهه. وذلك -والله أعلم- إذا لم تكن رقيتهم موافقة لما في كتاب الله تعالى، وإنما كانت من جنس السحر، وما فيه كفر مناف للشرع -والله أعلم-. اهـ.
ويؤيد هذا ما ذكر أهل العلم في جواز الرقية بما فهم معناه، وجرب نفعه مما لا يحتوي على الشرك، وكذا تعليلهم منع الرقية بما يجهل معناه، بأنه يخشى أن يكون فيه شيء من الشرك، وقد استدلوا بعموم ما روى عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اعرضوا علي رقاكم, لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. وعن جابر -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم، فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى, قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأسا, من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه. وقال الربيع: سألت الشافعي عن الرقى فقال: لا بأس إن رقي بكتاب الله، أو بما يعرف من ذكر الله. وسئل مالك عن الرقى بالأسماء العجمية فقال: وما يدريك أنها كفر؟
ومقتضى ذلك أن ما جهل معناه لا يجوز الرقية به؛ مخافة أن يكون فيه كفر، أو سحر، أو غير ذلك.
وأما إن كان مفهوم المعنى، فتجوز الرقية به.
قال الشوكاني في النيل: قوله: (لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شيء من الشرك المحرم) فيه دليل على جواز الرقى، والتطبب بما لا ضرر فيه، ولا منع من جهة الشرع، وإن كان بغير أسماء الله وكلامه, لكن إذا كان مفهوما؛ لأن ما لا يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك، قوله: (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل) قد تمسك قوم بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها, لكن دل حديث عوف أنه يمنع ما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك، وما لا يعقل معناه لا يؤمن من أن يؤدي إلى الشرك، فيمنع احتياطا. اهـ.
فقوله في الحديث: من استطاع أن ينفع أخاه.. يدل على إمكان النفع بما يرقى به من التوراة، والإنجيل بشرط فهم المعنى، وخلوه من الشرك.
والله أعلم.