السؤال
هل يجب على المسلم تعليم الجاهل بالحكم حتى ولو لم يسأله؟ ومتى يجب تعليم الجاهل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن تعليم الجاهل أمر مطلوب شرعا للأدلة الكثيرة الدالة على ذلك.
وأما السؤال عما إذا كان يجب تعليمه قبل أن يسأل أم لا يجب إلا بسؤاله، فجوابه أن أهل العلم اختلفوا في ذلك، فمنهم من أوجب تعليمه عند الاطلاع عليه، ومنهم من أوجب تنبيهه أولا على خطئه ثم إن سأل علم وإلا ترك، قال الشيخ زروق في شرحه على الرسالة: وهل يجب تعليم الجاهل قبل سؤاله، أو إنما يجب تنبيهه ثم إن سأل علم وإلا ترك، الأول اختيار الطرطوشي، والآخر: هو المعنى؛ لأنه عليه السلام قال للأعرابي: إنك لم تصل ـ ولم يعلمه حتى قال: لا أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله ـ الحديث. اهـ.
ونرى أن حديث الأعرابي الذي لم يحسن الصلاة وكون النبي صلى الله عليه وسلم نبهه ولم يعلمه حتى سأل ليس صريحا في عدم الوجوب، فإن الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو معلم البشرية أنه لن يتركه يذهب لسبيل حاله بصلاة باطلة لا تصح، ويموت على ذلك، ولا يعلمه لمجرد أنه ترك السؤال، وقد جاءت أحاديث كثيرة أخرى فيها مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعليم الجاهل قبل أن يسأل، كما في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فإنه علمه قبل أن يسأل؛ ولذا قال الحافظ العراقي في التثريب: فيه المبادرة إلى إنكار المنكر، وتعليم الجاهل، وأنه لا يؤخر ذلك عند الاطلاع عليه. اهـ.
وقريب منه قول الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه: ويجب على العلماء تعليم الجاهل؛ ليتميز له الحق من الباطل... اهـ.
ولم يقيد الوجوب بالسؤال، وفي الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية: ويل للعالم إذا سكت عن تعليم الجاهل، وويل للجاهل إذا لم يقبل. اهــ.
وتعليم الجاهل هو من تبليغ العلم فيمكن أن يجمع بين القولين فيقال: إن وجد من يكفي من أهل العلم للتعليم، أو كان العلم الذي يحتاجه ذلك الجاهل ليس من العلم الواجب، فإنه لا يتعين التعليم قبل السؤال.
وإذا لم يوجد من أهل العلم من يكفي، وكان العلم الذي يحتاجه الجاهل من الواجبات تعين على من علم حاله أن يعلمه، ولو لم يسأل، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ـ استدل العلماء على وجوب تبليغ العلم الحق، وتبيان العلم على الجملة... وتحقيق الآية هو: أن العالم إذا قصد كتمان العلم عصى، وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أنه مع غيره، وأما من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية وللحديث. اهـ.
ويعني بالحديث حديث: من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار.
قال الإمام النووي في المجموع: اعلم أن التعليم هو الأصل الذي به قوام الدين، وبه يؤمن إمحاق العلم، فهو من أهم أمور الدين، وأعظم العبادات، وآكد فروض الكفايات: قال الله تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ـ وقال تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا ـ الآية: وفي الصحيح من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. اهـ.
والله أعلم.