السؤال
ما هو حد تدخل الهوى في أمور الدين. بمعنى أني إذا طال الشارب أخففه لهواي، وأترك بقيته للثواب.
فهل هذا صحيح، وهكذا في كل شيء؟
ما هو حد تدخل الهوى في أمور الدين. بمعنى أني إذا طال الشارب أخففه لهواي، وأترك بقيته للثواب.
فهل هذا صحيح، وهكذا في كل شيء؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للعبد أن يدخل هواه في أمور الدين بحيث يكون دينه تبعا لهواه، يأتمر بما يأمره به هواه، وينتهي عما ينهاه عنه هواه بغير هدى من الله، بل الواجب عليه أن يكون هواه تبعا لما أمر الله به ورسوله، فلا يكون له مع أمر الله ورسوله هوى يخالف ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: فليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله ورسوله دون ما يشتهيه، ويهواه؛ قال الله تعالى: { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } وقال تعالى: { وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم } { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } وقال: { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل } وقال تعالى: { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا } { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } وقال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: { والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به }. انتهى.
وقال أيضا في مجموع الفتاوى: العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع؛ فإن الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له. والثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع؛ قال الله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا} الآية. وقال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من واجب، ومستحب لا يعبده بالأمور المبتدعة؛ كما ثبت في السنن من حديث العرباض بن سارية. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي مسلم أنه كان يقول في خطبته: {خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة}. انتهى.
وقال الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات: كل موضع ذكر الله تعالى فيه الهوى، فإنما جاء به في معرض الذم له ولمتبعيه، وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس، أنه قال: "ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا ذمه" فهذا كله واضح في أن قصد الشارع الخروج عن اتباع الهوى، والدخول تحت التعبد للمولى. انتهى.
وقال الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان: إن الواجب الذي يلزم العلم به أن يكون جميع أفعال المكلف مطابقة لما أمره به معبوده- جل وعلا-، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه، فقد صرف جميع ما يستحقه عليه خالقه من العبادة والطاعة إلى هواه. انتهى.
وما ذكره السائل من مثال لم يتضح لنا وجهه، ولعل فيما ذكرناه إجابة عن سؤاله، فإن لم يكن كذلك فليعده بصياغة واضحة حتى يتسنى لنا الإجابة عنه.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 150461، 213463.
والله أعلم.