السؤال
نريد التعرف إلى رأي فضيلتكم في مدى صحة ما يقال عن الفرق بين العدو والحاسد، وهو أن الحاسد ليس هو المعني بقوله تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" حيث العداوة تنشأ بين الناس عن أسباب موضوعية بسبب تعارض المصالح فيما بينهم؛ ولذلك كان دفع السيئة بالحسنة منتجا لآثاره في إزالة العداوة بين العباد، أما الحاسد: فهو لا يحسد إلا استجابة لنفسه الخبيثة التي لا ترضى بقسمة الله تعالى، وتتمنى زوال النعمة عن الآخرين، فالحاسد لا يتمنى الخير للمحسود، ويحقد عليه لغير أسباب موضوعية، أو تعارض للمصالح بينه وبين المحسود؛ ولذلك لا يكون علاجه ورده عن حقده بالمعاملة الطيبة، وإنما يكون بالابتعاد عنه، والالتجاء إلى الله تعالى، والاستعاذة به من شره، حيث أرشد الله تعالى إلى الاستعاذة من شره، كما أرشد إلى الاستعاذة من شر الوسواس الخناس في سورة الناس، حيث لا تنفع معه مداراة، أو إحسان -جزاكم الله خير الجزاء-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلما كان صاحب الحسد في العادة لا يظهر عداوة المحسود، وإن تمنى في قرارة نفسه زوال النعمة عنه، ونزول الضر به، بعكس العدو المعروف الذي يظهر العداوة جهرا، ويعمل على إضرار الخصم بمختلف الوسائل، لاحظ البعض هذا الفرق الذي أشرت إليه، وقد أجاد الشاعر الطغرائي في التعبير عن ذلك فقال:
جامل عدوك ما استطعت فإنه بالرفق يطمع في صلاح الفاسد
واحذر حسودك ما استطعت فإنه إن نمت عنه فليس عنك براقد
إن الحسود وإن أراك توددا منه أضر من العدو الحاقد
ولربما رضي العدو إذا رأى منك الجميل فصار غير معاند
ورضا الحسود زوال نعمتك التي أوتيتها من طارف أو تالد.
لكن الحقيقة أن الحاسد عدو أيضا، وإن لم يظهر ذلك، فالعداوة الظاهرة، وتعارض المصالح من أهم الأسباب التي ينشأ عنها الحسد، وإن لم ينحصر فيها، والحسد في العموم، سواء كان ناشئا عن تعارض في المصالح أم كان سببه مجرد خبث نفس الحاسد يعد من أخطر أنواع العداوة التي تعين في علاجها المعاملة بالحسنى، فقد أرشد الله سبحانه في الآية الكريمة: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34} إلى أن المعاملة الحسنة تحول العداوة والإساءة إلى ضدهما.
وعلى هذا المعنى مشى ابن القيم ـ رحمه الله ـ فجعل المعاملة الطيبة، والإحسان إلى الحاسد من أسباب دفع شر حسده يقول في بدائع الفوائد: السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد، والباغي، والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى، وشرا، وبغيا وحسدا، ازددت إليه إحسانا، وله نصيحة، وعليه شفقة، وما أظنك تصدق بأن هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه، فاسمع الآن قوله عز وجل: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ـ وقال: أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون... إلى أن قال: فهو بهذا الإحسان قد استخدم عسكرا لا يعرفهم، ولا يعرفونه، ولا يريدون منه إقطاعا، ولا خبرا، هذا مع أنه لا بد له مع عدوه، وحاسده من إحدى حالتين: إما أن يملكه بإحسانه، فيستعبده، وينقاد له، ويذل له، ويبقى من أحب الناس إليه، وإما أن يفتت كبده، ويقطع دابره إن أقام على إساءته إليه، فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه، ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة، والله هو الموفق المعين، بيده الخير كله، لا إله غيره، وهو المسؤول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه، وكرمه. اهـ.
ولمزيد الفائدة حول علاج الحسد وطرق الوقاية منه، راجع الفتويين رقم: 3273، ورقم: 131785.
والله أعلم.