السؤال
أصلي الصلاة في وقتها، فهل الانشغال بالعمل، أو الامتحانات يعد من الغفلة عن الله، لأن التفكير منشغل بها عن الله؟ وسائق السيارة هل يعتبر غافلا؛ لأنه منشغل بسيارته؟
أصلي الصلاة في وقتها، فهل الانشغال بالعمل، أو الامتحانات يعد من الغفلة عن الله، لأن التفكير منشغل بها عن الله؟ وسائق السيارة هل يعتبر غافلا؛ لأنه منشغل بسيارته؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغفلة درجات، منها ما يكون الإنسان فيه مشغولا طول وقته بزينة الدنيا، متبعا لهواه، مفرطا في أمر دينه ومولاه، لا يعمل للآخرة، ولا يستعد للقاء الله عز وجل، فهذه من أعلى درجات الغفلة، قال تعالى: إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون {يونس:7-8}.
أما الغفلة المذكورة في السؤال: فهي غفلة نسبية لا يكاد يخلص منها أحد، وما دام الإنسان يصلي الصلاة في وقتها ويؤدي الواجبات الشرعية المطلوبة منه وينتهي عن المنهيات، فإن الانشغال بأمور الدنيا، والتفكير فيها لا يضر، ولا يعد ذلك من الغفلة المذمومة، وإن كان الأولى إفراغ القلب لله تعالى، ودوام التفكير في أحوال الآخرة، فتلك أكمل حالات الإنسان، جاء في صحيح مسلم: أن حنظلة الأسيدي قال: لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات.
فهذا الحديث صريح في فضل دوام الذكر، والفكر في أمور الآخرة، والمراقبة، وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات، والاشتغال بأمور الدنيا.
وعليه، فالغفلة في بعض الأوقات دون بعض لا حرج فيها -كما قدمنا- بل إن من العلماء من عدها غفلة محمودة لا يستغنى عنها؛ لأن فيها صلاح الدنيا والدين، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: ولولا مساكنة نوع غفلة لما صنف العلماء، ولا حفظ العلم، ولا كتب الحديث؛ لأن من يقول: ربما مت اليوم، كيف يكتب؟ وكيف يسمع ويصنف؟! فلا يهولنكم ما ترون من غفلة الناس عن الموت، وعدم ذكره حق ذكره، فإنها نعمة من الله سبحانه، بها تقوم الدنيا، ويصلح الدين، وإنما تذم قوة الغفلة الموجبة للتفريط، وإهمال المحاسبة للنفس، وتضييع الزمان في غير التزود، وربما قويت فحملت على المعاصي، فأما إذا كانت بقدر، كانت كالملح في الطعام، لا بد منه، فإن كثر صار الطعام زعاقا، فالغفلة تمدح إذا كانت بقدر كما بينا، ومتى زادت، وقع الذم. اهـ.
والله أعلم.