السؤال
زوجي يعمل في دولة عربية، ولا يأتينا إلا مرة في العام، ومع ذلك فهو دائما يحدث بيننا خلافا في كل مرة، رغم قصر المدة التي يقضيها معنا، ويتدخل في تربية الأولاد، ويهينني، ومقتنع أن من حقوقه أن يضربني، ويشتمني، بالرغم من أن الخلافات عادية، وتافهة، ولكنه لا يريد أن يكون لي رأي في أي شيء، مبررا أنه الرجل، وعلي تنفيذ كل ما يأمر به، وهذا هو الحال دائما، علما أنني لا أحب النكد، وأريد لحياتي الزوجية النجاح، ولكني تعبت، فكيف أعامله؟ أتمنى أن أجد الحل عندكم، فلدي منه 3 بنات، ولا أريد لهن النكد، والتعب.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الحياة الزوجية الكريمة تقوم بين الزوجين على التفاهم، والتغاضي عن الهفوات؛ ذلك أن الزواج آية عظيمة من آيات الله عز وجل، قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون {الروم:21}، فالمودة، والرحمة، تنشأ من سكون كلا الزوجين إلى الآخر، ولا يكون ذلك إلا إذا راعى بعضهما بعضا.
وإن كثيرا من الاختلاف الناشئ بين الأزواج، مرده إلى جهل كثير من المسلمين بأحكام الشرع الحنيف في هذا الباب؛ ولذلك أوجه نصيحتي إلى الزوج أولا: بأن يتقي الله تعالى في أهله، وأنه إذا لم يرض منها أمرا من الأمور، فإن كان صغيرا، فعليه أن يتغاضى عنه، وينظر إلى ما عند زوجته من كريم الأخلاق، ومن الخصال الحميدة الأخرى، قال تعالى: فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {النساء:19}، وكذلك إن كان الأمر لا يستطيع الصبر عليه، من سوء خلق مثلا، فإن العلاج لا يكون بالضرب، ولكن عليه أن يصبر، ويعظ، وينصح، فإن استقامت إلى ما يريد، فبها ونعمت، وإلا فإنه يهجر في المضجع، ولا يهجر في غير المضجع، فلا يهجر الغرفة التي ينامون فيها إلى غرفة أخرى؛ حتى لا يلاحظ الأبناء الشقاق الواقع بين الأبوين، ولكن في ذات المضجع؛ بأن يولها ظهره، وهذا أدعى إلى حل الخلاف بينهما؛ لأنه إذا اتسعت دائرة الخلاف بينهما، فإن حله يكون صعبا حينئذ.
فإن لم تمتثل المرأة إلى ترك ما استوجب الخلاف، إن كانت مخطئة، فإنه حينئذ يشرع له الضرب، ولا يكون الضرب ضرب عقاب، أو تشف، بل ضرب علاج، وتأديب، فلا يجرح، ولا يكسر عظما، ولا يترك أثرا، قال تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا {النساء:34}، فالضرب هو آخر علاج، وآخر الدواء الكي. وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي، وابن ماجه، وفي صحيح ابن حبان عن ابن عباس أن الرجال استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب النساء، فأذن لهم، فضربوهن، فبات، فسمع صوتا عاليا، فقال: ما هذا؟ فقالوا: أذنت للرجال في ضرب النساء، فضربوهن، فنهاهم، وقال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
وعلى الزوج أن يأخذ رأي زوجته في كثير من الأمور، فإن الصواب قد يكون معها، وقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في بعض أموره، وأخذ برأيهن، وكان في رأيهن الصواب، والبركة، كما حدث من أم سلمة في غزوة الحديبية.
وأما النصيحة الموجهة إليك -أيتها الأخت السائلة-، فأن أول ما يجب عليك أن تتحلي به هو الصبر؛ ابتغاء مرضات الله تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب {الزمر:10}.
وحاولي أن تبتعدي عما يثيره، أو يضايقه، وحبذا لو تخيرت ساعة، يصفو فيها لك، فتفاتحيه في حقك عليه، وأنه من الود، والرحمة، والتآلف بينكما، وأن لك في الأبناء حقا، كما أن له فيهم حقا.
ونصيحة أخرى أوجهها للزوج: أن عليه أن يستأذن زوجته في هذه المدة، التي يغيبها عنها؛ لأنه لا يشرع له أن يغيب عن زوجته أكثر من ستة أشهر، وقيل: أربعة، فإن زادت المدة عن ستة أشهر، فعليه أن يستأذنها في ذلك.
وختاما: عليكما أن تعلما أن بيتكما فيه ثلاث بنات، لا ينبغي بحال من الأحوال أن يقوض؛ لما في ذلك من الدمار الكامل بالنسبة لمستقبل هؤلاء البنات، فلا مستقبل لهن إن تفرقتما، فالحذر الحذر من التفكير في الفراق، أو ما يؤدي إليه.
هذا والله نسأل أن يصلح بينكما، وأن يوفقك إلى ما فيه خيركما.
والله أعلم.