السؤال
أسمع أن الجنة حفت بالمكاره وأن النار حفت بالشهوات، فهل معنى ذلك أن من أراد دخول الجنة فإنه لن يجد طعم الراحة في الدنيا ولن ينعم في الدنيا وسيعيش في شقاء وأنه سيفعل ما يكره، إن أراد أن يدخل الجنة، وأن من أراد دخول النار فإنه سوف يجد طعم الراحة في الدنيا وسينعم في الدنيا وسيعيش في سعادة، لأنه يفعل ما تشتهيه نفسه؟.
أرجو التوضيح؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث مخرج في الصحيحين، ومعناه أن من أراد دخول الجنة فعليه أن يفعل ما تكرهه نفسه من الطاعات وتحمل مشاق العبادات، وأما النار فطريق دخولها هو فعل ما تشتهيه النفس من المحرمات والمعاصي، وقد أوضح الإمام النووي ـ رحمه الله ـ معنى الحديث أتم إيضاح، فقال في شرحه على صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ـ هكذا رواه مسلم: حفت ـ ووقع في البخاري: حفت ـ ووقع فيه أيضا: حجبت ـ وكلاهما صحيح، قال العلماء: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن، ومعناه لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات ونحو ذلك، وأما الشهوات التي النار محفوفة بها فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك، وأما الشهوات المباحة: فلا تدخل في هذه لكن يكره الإكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسي القلب أو يشغل عن الطاعات أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا. انتهى.
وبدوام المجاهدة يصير المكروه للشخص من الطاعة محبوبا، فيؤدي الحق سماحة لا كظما، وطواعية لا كرها، ولكن هذه المنزلة لا يوصل إليها إلا بمصابرة النفس ومجاهدتها، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 139680.
والله أعلم.