السؤال
أريد أن أسأل: كيف يمكننا أن نكثر من الطاعات، فنحن نريد أن نتزود منها، فأعط لنا أمثلة عليها.
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
أريد أن أسأل: كيف يمكننا أن نكثر من الطاعات، فنحن نريد أن نتزود منها، فأعط لنا أمثلة عليها.
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يحرص على ما افترضه الله عليه؛ فإنه ما تقرب إلى الله أحد بمثل أداء ما افترضه عليه، فيصلي الصلوات الخمس في أوقاتها، محافظا على شروطها، وأركانها، وواجباتها، ويؤدي زكاة ماله إذا بلغ ماله النصاب، ويصوم رمضان، ويحج البيت، ويعتمر إن استطاع إلى ذلك سبيلا، ويصدق الحديث، ويؤدي الأمانة، ويبر والديه، ويصل أرحامه، إلى غير ذلك من الواجبات فيأتي بها جميعها دون إخلال بشيء منها، ثم يكثر بعد ذلك من النوافل فإن العبد لا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وفي العبادات كلها قدر زائد على الواجب هو التطوع، ففي الصلاة يحرص على النوافل الرواتب، وصلاة الوتر، والضحى، وقيام الليل، وكلما أكثر من صلاة التطوع كان ذلك خيرا له؛ فإن الصلاة خير موضوع، وفي الصدقة يزيد على الواجب إخراجه بالتصدق بما يسره الله له غير مان ولا مؤذ بصدقته؛ فإن الأمر كما قال الله: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم {البقرة:261}.
وفي الصيام يحرص على صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ فإن هذا يعدل صيام الدهر، ويحرص على صيام يوم عرفة، وعاشوراء، والست من شوال، ويكثر من الصيام في عشر ذي الحجة، وشهر المحرم، وإن استطاع أن يحافظ على صوم الاثنين والخميس فهو حسن جدا، ويتابع بين الحج والعمرة مهما أمكنه، ويكثر من ذكر الله تعالى محافظا على الأذكار الموظفة في الأوقات، ملازما للذكر المطلق في جميع الحالات، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبالغ في الإحسان إلى الخلق، ومعاملتهم باللين والرفق، ومساعدة من يحتاج إلى العون منهم، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وبالجملة فأبواب العبادات كثيرة، وطرق الخير متنوعة. وهذا رحمة من الله تعالى بعباده، فمن فتح له في باب منها فليلزمه، ومن وفقه الله للإتيان بما تيسر من النوافل بعد الفرائض، فإنه يزيد من مثوبته، بقدر ما يزيد من التقرب إلى الله تعالى.
وخذ هذا الكلام النفيس لابن القيم -رحمه الله- يصف فيه العابد المطلق لله تعالى، والذي لم يشتغل بنوع من أنواع العبودية، بل جعل حياته كلها لله تعالى، وجعل أوقاته كلها مستغرقة في البحث عن مراضيه، وتحقيق العبودية له سبحانه.
يقول ابن القيم: صاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت، فمدار تعبده عليها، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية، كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم، فهذا هو العبد المطلق، الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات، بل هو على مراد ربه، ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه، فهذا هو المتحقق بـ " {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] " حقا، القائم بهما صدقا، ملبسه ما تهيأ، ومأكله ما تيسر، واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته، ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خاليا، لا تملكه إشارة، ولا يتعبده قيد، ولا يستولي عليه رسم، حر مجرد، دائر مع الأمر حيث دار، يدين بدين الآمر أنى توجهت ركائبه، ويدور معه حيث استقلت مضاربه، يأنس به كل محق، ويستوحش منه كل مبطل، كالغيث حيث وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله، والغضب إذا انتهكت محارم الله، فهو لله، وبالله، ومع الله، قد صحب الله بلا خلق، وصحب الناس بلا نفس، بل إذا كان مع الله عزل الخلائق عن البين، وتخلى عنهم، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها، فواها له! ما أغربه بين الناس! وما أشد وحشته منهم! وما أعظم أنسه بالله، وفرحه به، وطمأنينته وسكونه إليه!! والله المستعان، وعليه التكلان. انتهى.
والله أعلم.