الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرزق يسوقه الله لعبده ويقدره له كما شاء سبحانه وتعالي فقد قال الله تعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب {البقرة: من الآية212}.
قال ابن كثير في تفسيره: ولهذا قال تعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب، أي يزرق من يشاء من خلقه ويعطيه عطاء كثيرا جزيلا بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والآخرة، كما جاء في الحديث: ابن آدم أنفق أنفق عليك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا، وقال تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وفي الصحيح أن ملكين ينزلان من السماء صبيحة كل يوم فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا، وفي الصحيح يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، وما لبست فأبليت، وما تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس. انتهى
وقد تعبدنا الله تعالى بالسعي والتكسب، ولا يلزم في حصوله استعمال الرقي والاذكار المذكورة في السؤال، فكم وجدنا من نساء تزوجن من دون بحث عن الأزواج، وكم من غني وجد المال بسبب بسيط، فكل مولود كتب رزقه قبل أن يولد، لما في الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، فما الرزق والأجل، فيكتب في بطن أمه. وفي رواية لمسلم: ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.. الحديث، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها الذي كتب الله تعالى لها في هذه الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. رواه أبو نعيم وصححه الألباني.
ويشرع قراءة شيء من القرآن بنية الرقية، أو حصول مطلب مباح كالزواج، وحصول المال، فقد روى مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله, كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
وفي صحيح ابن حبان عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها فقال: عالجيها بكتاب الله. وصححه الألباني.
و ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه عنه عمران بن حصين: اقرؤوا القرآن, وسلوا الله به، قبل أن يأتي قوم يقرؤون القرآن فيسألون به الناس. رواه أحمد, وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وعن عمران بن حصين أيضا: أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل، فاسترجع, ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس. رواه الترمذي وقال: حديث حسن ـ وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: فليسأل الله به, أي: فليطلب من الله تعالى بالقرآن ما شاء من أمور الدنيا والآخرة, أو المراد أنه إذا مر بآية رحمة فليسألها من الله تعالى، وإما أن يدعو الله عقيب القراءة بالأدعية المأثورة. اهـ.
ولكن تحديد القراءة لسورة معينة تقرأ لحاجة معينة يخشى أن تكون داخلة في البدع الإضافية، فقد قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ في تعريف البدعة: ومنها: أي البدعة الإضافية ـ التزام هيئات العبادات، كهيئة الاجتماع على صوت واحد، ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة. انتهى.
و قال الدكتور العلامة بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه: بدع القراء القديمة والمعاصرة: من البدع التخصيص بلا دليل بقراءة آية، أو سورة في زمان، أو مكان، أو لحاجة من الحاجات. انتهى.
وقد ذكر الدكتور أحمد بن عبد الله آل عبد الكريم في رسالته العلمية: البدع العملية المتعلقة بالقرآن ـ تخصيص رقى ليس لها أصل شرعي، وقال: والذي ينكر في هذا الباب: زعم بعض الرقاة أن لبعض الآيات خصائص لبعض الأمراض، وهذه الرقى ليس فيها محذور من حيث لفظها، لكونها آيات من القرآن، أو تعويذات شرعية سالمة من الشرك، إلا أن المحذور فيها هو تخصيصها وانتقاؤها لهذه الأمراض، أو حصر الرقية بالآيات الشرعية فيها، والحاصل أن ما خص من الرقى مما ليس له أصل لا تصح نسبة تخصيصه إلى الشريعة، وإن صحت الرقية به لسلامته من الشرك، وقد أدى هذا التخصيص لجمع بعض الآيات في أوراق وتداولها باسم الرقية الشرعية، وإذا ثبت لبعض الرقاة في بعض الآيات أثر، فإنه لا يصح جعل هذا الأثر من فضائل السورة، أو من خصائص الآية، ولا يحق له أن يجعله شرعا لغيره ما لم يرد لتخصيصه دليل، إذ إن التأثير بآية من آي القرآن قد يكون له أسباب أخرى كيقين الراقي والمرقي بشفاء القرآن، أو قبول المحل المرقي للقراءة. اهـ.
وبناء عليه، فننصحك بوضع برنامج تجمعين بين التعلم والتلاوة وأذكار الصباح والمساء، وتحري فيه ما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم، ولمعرفة أعماله صلى الله عليه وسلم في جميع الأوقات راجعي حصن المسلم، وزاد المعاد لابن القيم، وعمل اليوم والليلة لابن السني وللنسائي، والشمائل للترمذي.
واما عن الرقية فان من أحسن ما يقرأ فيها الفاتحة وآية الكرسي والإخلاص والفلق والناس، فقد قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: فمن التعوذات والرقى: الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي ومنها التعوذات النبوية نحو: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ونحو: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ـ ومن جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها. اهـ.
وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 80694.
والله أعلم.