السؤال
أشعر بيأس شديد مؤخرا، أعلم أن الله خلق الملائكة للطاعة، فليس لهم شهوات ليجاهدوها، وأن الحكمة من خلق الإنسان هي: أن يرى الخير والشر نصب عينيه, وأن يختار طريق الخير بنفسه, وبما ميزه الله من عقل, ورسائل إلهية عن طريق الرسل, والكتب السماوية, لتمكين الإنسان من العبادة، فأنا أحافظ على الصلاة, وأحفظ جزءا كبيرا من القرآن, وأتلوه دوما، وأعترف بعظمة الله في خلقه, ولكني ومنذ فترة ليست بقصيرة لم أعد أشعر بأي لذة في الصلاة, أشعر أن الله قد نسيني.
يأسي نابع من شعوري بأني شاة في قطيع، لا أختلف عن ملايين، آكل، وأشرب, وأنام فقط، مللت الحياة, وفكرت في الانتحار مرارا، وامتنعت فقط لأني بذلك أنهي عذابا أصغر بجحيم مستعر في عالم آخر، فليس لي اختيار لأن أنهي حياتي كما لم أختر أن أبدأها، ليس لي من الأمر شيء.
لم خلقت أنا تحديدا؟ هل لي هدف لن يحققه سواي أم أننا جميعا عرائس مسرح يحركنا الله كيف شاء؟ وإن كان من آمن وعمل صالحا نهايته جنة دائمة خالية من الشر، ونفاق البشر، فلم عليه أن يحيا حياة مليئة بالشرور، والنفوس الخربة؟ وليس بالضرورة أن يكون أصحاب تلك النفوس كفارا أو ملحدين. الصدمة هي: أن ينافق من نصبهم المجتمع حماة للدين، أعلم أنك سترد قائلا: الخير في وفي أمتي إلي يوم القيامة، وأن هناك الخير والشر في الحياة، ولكن الجنة خالية من الشر، فالبطبع هي مكان أفضل.
حالتي الآن هي: أني لم أعد أريد الحياة، وكل ما يحول بيني وبين إنهائها هو عقاب قتل النفس.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدع عنك هذا اليأس، وهذا القنوط، واعلم أن ربك تعالى حكيم عليم، وقد خلقك وأوجدك في هذه الدنيا لتعمرها بطاعته، فتشكره على نعمته، وتصبر على ما يبتليك به، وإذا أحسنت استبشرت، وإذا أسأت استغفرت، ولتكمل عبودية الله تعالى، وتقوم بها على وجهها، فأنت كغيرك من الناس خلقت لهذه الغاية العظيمة، وهي: تحقيق عبودية الله تعالى، كما قال جل اسمه: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {الذاريات:56}. أوجدت في هذه الدنيا كغيرك من الناس، لتمتحن، وتبتلى، فينظر الله حسن عملك, كما قال تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا {الملك:2}. فاجعل هدفك وغايتك في هذه الحياة أن تنجح في هذا الامتحان مستعينا على ذلك بالله -تبارك وتعالى-, مجتهدا في طاعته، مقبلا عليه بكليتك، وكلما أصابك شيء من هذا اليأس، فاعلم أنه من كيد الشيطان لك, ومكره بك, يريد به أن يصدك عن سبب سعادتك, وسبيل فلاحك في دنياك وآخرتك، فاطرد عنك هذا اليأس بمزيد من الإقبال على الله, والاجتهاد في عبادته, وابتغاء مرضاته، وإذا حملت نفسك على الطاعة حملا، وجاهدتها على ما يقرب إلى الله حق المجاهدة، فستذوق لذة الطاعة, وترى من حلاوة المناجاة, والأنس بالله, والشوق إليه, ما ينسيك كل متاعب الحياة، فتكون بطاعتك وعبادتك في جنة حاضرة، ثم تنتقل من هذا النعيم -الذي هو التنعم بطاعة الله والقرب منه- إلى النعيم الأبدي، الذي لا يحول ولا يزول في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، قال ابن القيم -رحمه الله-: وهذه اللذة والتنعم بالخدمة إنما تحصل بالمصابرة والتعب أولا، فإذا صبر عليه وصدق في صبره أفضى به إلى هذه اللذة، قال أبو يزيد: سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك، ولا يزال السالك عرضة للآفات والفتور والانتكاس حتى يصل إلى هذه الحالة، فحينئذ يصير نعيمه في سيره، ولذته في اجتهاده، وعذابه في فتوره ووقوفه، فترى أشد الأشياء عليه: ضياع شيء من وقته، ووقوفه عن سيره. انتهى.
فدع عنك وسوسة الشيطان وتلبيسه، واطرد خواطر السوء، واجتهد ما وسعك في طاعة الله تعالى، فإنها الغاية التي لها خلقت، واسأله سبحانه التوفيق والإعانة، وعلق قلبك به لا بغيره، واصبر على أذى الناس، وعامل الله فيهم، واعلم أن الدنيا كلها نفس من أنفاس الآخرة، فما هو إلا صبر يسير وتعب قليل، تعقبه راحة الأبد لمن صدق وأقبل على ربه بجد وإخلاص، نسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه.
والله أعلم.