السؤال
وعن سعيد بن المسيب كان يقول: كنت أعجب لقاتل حمزة كيف ينجو، حتى إنه مات غريقا في الخمر، رواه الدارقطني على شرط الشيخين "
النص من كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني
سؤالي في أي كتب الدارقطني ـ رحمه الله ـ ذكر هذا الأثر وما هو سنده إلى سعيد بن المسيب رحمه الله.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد هذا الأثر في ما بين أيدينا من كتب الدار قطني، ولم يعزه أحد ممن ذكره إلا إليه، كالمحب الطبري في (ذخائر العقبى) والعصامي في (سمط النجوم العوالي) والملا علي القاري في (شرح مسند أبي حنيفة) ونور الدين الحلبي في سيرته.
ولعل الدار قطني له جزء خاص بقصة قتل حمزة، فقد جاء في مقدمة سؤالات البرقاني للدار قطني (ص: 32): سمعوا عليه بقراءتي جزء فيه حديث وحشي في قتل حمزة بن عبد المطلب، تخرج القاضي عز الدين بن جماعة بإجازته منه. اهـ.
وقد أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) من طريق شيخ الدارقطني محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، قال: حدثنا حجين بن المثنى، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ـ فذكر قصة وحشي في قتل حمزة ـ رضي الله عنه ـ وفي آخرها: قال حجين: فلا أعلم إلا أني قد سمعت عبد العزيز يقول: وكان سعيد يقول: فكنت أعجب لقاتل حمزة كيف ينجو، حتى بلغني أنه مات غريقا في الخمر.
قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح عن أبي جعفر محمد بن عبد الله، دون قول حجين في آخره. اهـ.
فرجال هذا الإسناد من حجين فمن فوقه ثقات، وبهذا الإسناد بعينه رواه البخاري كما ذكر البيهقي، في كتاب المغازي من صحيحه.
وأما محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، أبو بكر الكاتب، فقد ذكره ابن قطلوبغا في (الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة) وروى عنه الدارقطني في سننه، وأبو حفص بن شاهين، ويوسف بن عمر القواس، وذكره في جملة الثقات من شيوخه الذين كتب عنهم. وقال الذهبي: بغدادي ثقة.
وقد علق الزرقاني في شرح المواهب، على قول القسطلاني: "رواه الدارقطنى بسند على شرط الشيخين". فقال: فلا شك في صحته عن سعيد. اهـ.
ثم قال: فإن قيل: الإسلام يجب ما قبله، كما في الحديث، وقال تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38]، فكيف يعاقب بما فعله قبله، ويتعجب سعيد من نجاته، ويقول عمر ذلك؟ أجاب شيخنا بأن الإسلام يكفر الذنوب السابقة عليه، ثم يحسن لصاحبه، فيحفظ به عن الذنوب بعده، وقد يكون فيه شيء ولو بسبب ما سبق في الكفر، فيقع معه في ذنوب تقتضي ترتب عقوبة عليها في الدارين .. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الصارم المسلول): الحربي إذا أسلم لم يؤخذ بشيء مما عمله في الجاهلية، لا من حقوق الله ولا من حقوق العباد، من غير خلاف نعلمه؛ لقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجب ما قبله" رواه مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية" متفق عليه، ولهذا أسلم خلق كثير وقد قتلوا رجالا يعرفون فلم يطلب أحدا منه بقود ولا دية ولا كفارة، أسلم وحشي قاتل حمزة، وابن العاص قاتل ابن قوقل، وعقبة بن الحارث قاتل خبيب بن عدي، ومن لا يحصى ممن ثبت في الصحيح أنه أسلم، وقد علم أنه قتل رجلا بعينه من المسلمين، فلم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم على أحد منهم قصاصا، بل قال صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما صاحبه كلاهما يدخل الجنة، يقتل هذا في سبيل الله فيدخل الجنة، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم ويقتل في سبيل الله فيدخل الجنة" متفق عليه ... اهـ.
والله أعلم.