السؤال
ماذا فعل الصحابي جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأبو عبد الله جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب القرشي الهاشمي هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشبيهه خلقا وخلقا، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.
وهو من السابقين الأولين والمهاجرين الصادقين وسادة الغزاة المجاهدين والأبطال المبزرين والشهداء المقربين المبجلين، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة، وعهد إليه بالإمارة إذا أصيب زيد بن حارثة رضي الله عنهم جميعا.
وقد أبلى أحسن البلاء في تلك الغزوة المباركة المشهودة، فبعد استشهاد أميره زيد بن حارثة أخذ الراية، كما عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذها بيمينه، فلما أصيبت أخذها بشماله، فلما أصيبت أخذها بعضديه، فلم يزل ممسكا لها مقبلا غير مدبر حتى استشهد رضي الله تعالى عنه.
وذكر أهل السير أنه وجد فيما أقبل من جسده بضع وتسعون ما بين طعنة ورمية، وقد اقتحم عن فرس له شقراء في ذلك اليوم، فعقرها ثم قاتل حتى قتل.
وذكر ابن إسحاق أنه أول من عقر في الإسلام، وقال:
يـا حبـذا الجنـة واقترابهـا ===== طيبــة وبــارد شـرابهـا
والروم روم قد دنا عذابها ===== علي إن لاقيتها ضرابها
وقد عوضه الله تعالى عن يديه اللتين أصيبتا يومئذ جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة، فقد أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام، ثم قال: "يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل سلموا علينا فردي عليهم السلام، وقد أخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع، فقال: لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثا وسبعين بين رمية وطعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذت بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت، وآكل من ثمارها ما شئت، فقالت: أسماء هينئا لجعفر ما رزقه الله من الخير، ولكن أخاف أن لا يصدق الناس فاصعد المنبر أخبر به، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إن جعفر مع جبريل وميكائيل، له جناحان عوضه الله من يديه سلم علي، ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين، فاستبان للناس بعد اليوم الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جعفر لقيهم، فلذلك سمي الطيار في الجنة".
وهذا الحديث سكت عنه كل من الحاكم والذهبي كما نص على ذلك شعيب الأرناؤوط في تخريجه لأحاديث سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي.
وقد استشهد جعفر رضي الله عنه وعمره بضع وثلاثون سنة فقط، وانظر ترجمته العطرة في الإصابة والاستيعاب وسير أعلام النبلاء، وغير ذلك من كتب السير والتاريخ.
والله أعلم.