السؤال
انتقلت للعيش مؤخرا في بلاد أجنبية بسب الأوضاع الراهنة في العراق- أسأل الله أن يفرج عن الأمة الإسلامية، هنا يحسبون صلاة العصر على مذهب الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- المشكلة في يوم الجمعة، تكون صلاة الجمعة بعد ما يكون ظل الشيء قريبا من الضعف، أي أنه دخل العصر، على مذهب الجمهور.
فهل في ذلك شيء بارك الله فيكم؟
المسألة الثانية هي: مقاطعة المنتوجات التي تدعم الكيان، فأنا لا أعلم حقيقة ما هي الشركات، بحثت في الشبكة، فوجدت أسماء شركات عديدة جدا إذا قاطعتها لا أستطيع الأكل، ولا الشرب بعدها تقريبا.
أتمنى أن تبينوا لي أسماء هذه الشركات، وإن شاء الله سأعمل جاهدا على مقاطعة كل ما يساهم في دعم هذا الكيان.
أخيرا أسألكم الدعاء، فأنا أخشى على نفسي، وأهلي الفتنة في هذه البلاد.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 117832 أن أول وقت العصر حين يصير ظل الشيء مثله، غير فيء الزوال، وبه ينتهي وقت الظهر، وهذا على قول جمهور أهل العلم، وهو الراجح خلافا للحنفية، فإن علمت أنهم يؤخرون الجمعة حتى يخرج وقت الظهر، فينبغي أن تناصحهم، وتبين لهم أن فعلهم هذا خلاف مذهب الجمهور، بل هو خلاف مذهب صاحبي أبي حنيفة، فقد خالفاه في هذه المسألة، ووافقهما كثير من محققي الحنفية كالطحاوي، والحنفية القائلون بامتداد وقت الظهر إلى صيرورة الظل مثليه، يرون أن الأحوط فعلها قبل صيرورة الظل مثله، خروجا من الخلاف.
قال ابن نجيم -رحمه الله- في كتابه البحر الرائق، وهو من كتب الحنفية: وذكر شيخ الإسلام أن الاحتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل، وأن لا يصلي العصر حتى يبلغ المثلين؛ ليكون مؤديا للصلاتين في وقتهما بالإجماع، كذا في السراج. انتهى.
فإن انتصحوا واستجابوا لك، وهذا الظن -إن شاء الله- فالحمد لله، وإلا فإن وجدت جمعة أخرى تقام في وقتها، في المدينة التي تقيم فيها، فصل معهم، وإن لم توجد، واستطعت أن تقيمها أنت وجمع آخر من المسلمين المستوطنين، وتصلوها في وقتها، فأقيموا جمعة، ولا يشترط أن تكون في المسجد، وإن تعذر هذا، وذاك، فصل ظهرا في وقت الظهر، ثم اشهد معهم الجمعة، وتكون لك نافلة؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي العالية البراء قال: قلت لعبد الله بن الصامت: نصلي يوم الجمعة خلف أمراء، فيؤخرون الصلاة، قال: فضرب فخذي ضربة أوجعتني، وقال: سألت أبا ذر عن ذلك، فضرب فخذي، وقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة.
وقد ذكر الحافظ في الفتح بعض الآثار عن التابعين، أنهم كانوا يصلون ظهرا، ثم يصلون الجمعة حين أخرها الأمراء عن وقتها فقال: فقد صح أن الحجاج، وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة، منها ما رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء قال: أخر الوليد الجمعة حتى أمسى، فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب. وإنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل. ومنها ما رواه أبو نعيم- شيخ البخاري- في كتاب الصلاة، من طريق أبي بكر بن عتبة قال: صليت إلى جنب أبي جحيفة، فمسى الحجاج بالصلاة، فقام أبو جحيفة فصلى. ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج، فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه. ومن طريق محمد بن أبي إسماعيل قال: كنت بمنى، وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة، فنظرت إلى سعيد بن جبير، وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان. اهــ.
وأما عن السؤال المتعلق بالمقاطعة: فمقاطعة شركات الدول التي تحارب الإسلام، والمسلمين، أمر مطلوب كما بيناه في الفتوى رقم: 191075 ، فالشركات التي تعلم أنها لتلك الدول، قاطعها، ولن تعدم غيرها من الشركات التي تغنيك عنها، والتي لا تعلم عنها هل تتبع تلك الدول أم لا؟ فلا تطالب بمقاطعتها، وليس لنا علم بأسماء تلك الشركات حتى نذكرها لك.
وأما قولك " إنك تخشى الفتنة على أهلك، وأولادك " فإننا نوصيك بتقوى الله تعالى، وأن تجتهد في تنشئة أطفالك على البر والتقوى، وأن تحرص على الاختلاط بالمسلمين الصالحين، والبعد عن مخالطة الكفار، والفسقة من المسلمين، فالصاحب ساحب والإنسان أسير بيئته، واجتهد في الخروج من تلك البلاد متى ما تيسر لك الإقامة في بلاد المسلمين.
والله أعلم.