السؤال
أختي تذهب للجامعة بلباس غير الحجاب الشرعي، وقد نصحت لوالدي بأنها يجب أن ترتدي حجابا شرعيا، وعدم ارتدائها للحجاب الشرعي يضايقني كثيرا، لكن ليس لي من سلطة! فوالدي ووالدتي يقولان: إنه ما دام والدها موجودا فهو المسؤول الأول عن السماح والمنع. ووالدي يعلم جيدا أن لباسها لا يرضي الله، ورغم ذلك لم يفعل شيئا!
سؤالي لحضراتكم: ما الواجب علي فعله غير النصح -فقد نصحت ولم يستجب لي أحد-؟ وبماذا تنصحونني -بارك الله فيكم-؟ وما رأي الدين والعلماء في هذا الموضوع؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يزيدك غيرة على حرمات الله، وأن يهدي أختك، ولا ريب في أن خروجها دون حجاب شرعي منكر، والواجب على والدك منعها من ذلك، وأنت ما دمت نصحتها ونصحت والديك بذلك فقد أديت ما عليك، ولا يلزمك شيء وراء ذلك، فإن الإنكار باللسان هو فرض من لم يقدر على الإنكار بيده؛ كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان أخرجه مسلم.
ولا يضرك عدم الاستجابة لنصحك شيئا، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة:105]. جاء في تفسير الطبري عن سعيد بن المسيب أنه قال: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؛ لا يضرك من ضل إذا اهتديت. اهـ.
ونوصيك بعدم اليأس، فلتعاود النصح كرة بعد أخرى، فما تدري متى يفتح الله القلوب لنصحك؟ وعليك أن تدعو لأختك بالهداية والرشاد، ولتتجاف عن الحزن والغم ما استطعت، فالتأثر بعصيان الأخت وخروجها وإن كان محمودا من جهة الغيرة إلا أنه ليس مقصودا لذاته.
قال ابن تيمية: وأما "الحزن" فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين؛ كقوله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، وقوله: {ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون}، وقوله: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}، وقوله: {ولا يحزنك قولهم}، وقوله: {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}، وأمثال ذلك كثير. وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به، نعم لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم كما يحزن على المصائب، كما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا على حزن القلب، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم وأشار بيده إلى لسانه"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب"، ومنه قوله تعالى: {وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}. وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه فيكون محمودا من تلك الجهة، لا من جهة الحزن؛ كالحزين على مصيبة في دينه وعلى مصائب المسلمين عموما، فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير وبغض الشر وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة نهي عنه، وإلا كان حسب صاحبه رفع الإثم عنه من جهة الحزن، وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به كان مذموما عليه من تلك الجهة وإن كان محمودا من جهة أخرى. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 67880، والفتوى رقم: 123483، والفتوى رقم: 172601.
والله أعلم.