السؤال
أنا لدي مشكلة كبيرة جدا، وهي: اليأس؛ لقد يئست من كل شيء حولي، ومن الناس، فلا أحد يحب أحدا، ولا يوجد شيء يسعدني، فحتى الجو أصبح غريبا في هذا الزمن؛ في الصيف تمطر، وفي الشتاء العكس، والحقد يملأ الناس، وكذلك الكذب، وأشعر بضيق في صدري، والوقت أصبح يمضي كالريح. فهل ذكر في القرآن وفي السنة حل لليأس؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكتاب والسنة قد اشتملا على أدوية اليأس، والقنوط، وقد بينا جملة من ذلك بالفتوى رقم: 140608، وتوابعها.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بغلبة البلاء، والفتن؛ فعن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة رواه أحمد، وابن حبان، وابن ماجه، وصححه الألباني.
وقد بوب عليه ابن ماجه: باب الصبر على الفتن؛ فالواجب الصبر والعمل الصالح لدفع ذلك، ولذلك جاء في رواية أحمد: إن ما بقي من الدنيا بلاء وفتنة، وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء؛ إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله. قال السندي: قوله: "إذا طاب أعلاه ... إلخ ": كأنه إشارة إلى حسن الختام، رزقناه الله تعالى بمنه. والله تعالى أعلم. انتهى.
فليبادر العبد الفتن والبلاء بالعمل الصالح؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا" رواه مسلم، والترمذي، وأحمد.
قال النووي: معنى الحديث: الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة والمتكاثرة المتراكمة، كتراكم ظلام الليل المظلم، ووصف النبي -صلى الله عليه وسلم- نوعا من شدائد تلك الفتن، وهو أنه يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا، أو عكسه -يشك الراوي-، وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا التقلب. انتهى.
وننبهك أن الصيف والشتاء وما يجري فيهما من تصريف الله؛ فليس للعبد الاعتراض؛ فالله يقدر لحكم عظيمة.
وأما شكاتك مما حولك: فالمؤمن يرجع في الأساس باللائمة على نفسه؛ فلو حفظ الله لحفظه الله؛ ولذلك قال علي -رضي الله عنه-: لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه. وقد سئل الشيخ الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن تيمية -رضي الله عنه- عن قول علي -رضي الله عنه-: لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ما معنى ذلك؟
فأجاب: الحمد لله، هذا الكلام يؤثر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو من أحسن الكلام، وأبلغه وأتمه؛ فإن الرجاء يكون للخير، والخوف يكون من الشر، والعبد إنما يصيبه الشر بذنوبه، كما قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى: 30]، وقال تعالى: {أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء: 78- 79]. فإن كثيرا من الناس يظن أن المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية الطاعات والمعاصي. ....وإنما الحسنات والسيئات في هذه الآية النعم والمصائب، كما في قوله تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} [الأعراف: 168]، وقوله تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه} [الأعراف: 131]، وقوله تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} [آل عمران: 120]، وقوله تعالى: {وقهم السيئات} [غافر: 9] ونحو ذلك، وهذا كثير. انتهى بتصرف.
والله أعلم.