السؤال
كيف لنا أن نقطع يد السارق إذا كان يعاني من مرض نفسي يجعله يسرق؟
وكيف لنا أن نقطع يده في السابق قبل ابتكار سبل تشخيصية له؟
وهل هذا يعني بأن ذنب من سرق في السابق وكان مريضا هو ولادته في الزمن الخطأ؟
كيف لنا أن نقطع يد السارق إذا كان يعاني من مرض نفسي يجعله يسرق؟
وكيف لنا أن نقطع يده في السابق قبل ابتكار سبل تشخيصية له؟
وهل هذا يعني بأن ذنب من سرق في السابق وكان مريضا هو ولادته في الزمن الخطأ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرض الذي لا يرفع التكليف عن صاحبه، لا يصح اعتباره مانعا من موانع إقامة حد السرقة، ومن ذلك: المرض النفسي إن كان لصاحبه عقل واختيار، بخلاف زوال العقل بجنون ونحوه؛ فإنه يرفع التكليف ويسقط الحد؛ جاء في (الموسوعة الفقهية): لا يقام الحد على السارق ذكرا كان أو أنثى إلا إذا كان مكلفا، أو بالغا عاقلا ... واتفق الفقهاء على اشتراط العقل لإقامة الحد على السارق؛ إذ إنه مناط التكليف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رفع القلم: "وعن المجنون حتى يعقل". هذا إن كان المجنون مطبقا، فأما إن كان غير مطبق وجب الحد إن سرق في حال الإفاقة، ولا يجب إن سرق في حال الجنون. وقد ألحق الفقهاء المعتوه بالمجنون؛ لأن العته نوع جنون فيمنع أداء الحقوق. اهـ.
ومن نظر في أحكام الشريعة عموما، وفي أحكام الحدود خصوصا، علم مدى مراعاتها للحالات الاستثنائية التي يحسن اعتبارها والوقوف عندها، ومن ذلك: انتفاء الشبهة، وعدم الاضطرار إلى السرقة؛ جاء في (الموسوعة الفقهية): يجب -لإقامة حد السرقة- أن تتوافر في السارق خمسة شروط: أن يكون مكلفا، وأن يقصد فعل السرقة، وألا يكون مضطرا إلى الأخذ، وأن تنتفي الجزئية بينه وبين المسروق منه، وألا تكون عنده شبهة في استحقاقه ما أخذ. اهـ.
وتفصيل وصف القصد يزيد الأمر وضوحا؛ فلا يقام الحد على السارق إلا إذا كان يعلم بتحريم السرقة، وأنه يأخذ مالا مملوكا لغيره دون علم مالكه وإرادته، وأن تنصرف نيته إلى تملكه، وأن يكون مختارا فيما فعل، ويمكنك مراجعة تفصيل ذلك في (الموسوعة)، وراجع للفائدة الفتويين: 278458، 270985.
ولا يخفى مدى الفرق بين مراعاة هذه المعاني المعتبرة، وبين مسلك مبرري الجرائم بكونها أمراضا نفسية تستدعي مزيد اهتمام ورعاية للمجرمين باعتبارهم مرضى!!!
وأما الحالة النادرة التي تعرف بهوس السرقة (الكلبتومانيا) والتي يكون هدف صاحبها هو السرقة ذاتها لا المسروق: فهي وإن كانت تعبر عن اضطراب نفسي، إلا إنها لا تبلغ درجة إسقاط التكليف عن صاحبها، ولا سيما مع ندرتها وتوفر علاجات نفسية لها.
هذا، مع التنبيه على أن الوازع الديني القوي، ومراقبة الله تعالى، والصحبة الصالحة الناصحة، تحول في الغالب دون حصول مثل هذا النوع من السرقات؛ لكون صاحبها يتحلى بمجاهدة نفسه في ذات الله تعالى، ومقاومة هذه النزعة السيئة.
وعلى ذلك؛ فيمكننا أن نجمل القول بأن الشريعة الإسلامية بما وضعته من شروط معتبرة في قطع السارق قد راعت ما يصح اعتباره عذرا من الحالات الاستثنائية، وأن تشخيص مرض السرقة بصورته العصرية ليس من هذه الأعذار، حتى يوصف ما قبل ذلك من الأزمان بالزمن الخطأ!!! بل إننا نعتقد أن غياب مثل هذا الحد الحاسم والعقاب الرادع هو أحد أسباب ظهور مثل هذا المرض.
والله أعلم.