الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توبة من أعان على اختلاس مال من زبائن، ولا يملك مالا لرده ولا يستطيع إخبارهم

السؤال

كنت أعمل محاسبا في إحدى شركات القطاع الخاص منذ عامين، و كنت قد عينت في هذه الشركة عن طريق مسئول المبيعات والإنتاج، وكانت له صلاحيات كثيرة في هذه الشركة، وكانت تجمعني به معرفة عمل في شركة سابقة، وبعد فترة من العمل في هذه الشركة حدثت خلافات كبيرة بينه وبين صاحب الشركة، فأخبرني أنه سوف يترك العمل في هذه الشركة، وسوف يفتح مصنعا جديدا خاصا به، وأنه سيحتاجني معه محاسبا في مصنعه الجديد، وطلب مني أن لا أخبر صاحب المصنع بما يخطط له، وكان قد طلب مني في بداية الأمر مساعدته في عملية اختلاس عن طريق تخفيض أرصدة الزبائن الخاصة به، معاقبة لصاحب المصنع بأنه لا يعطيه حقه، وبأنه صاحب الفضل على صاحب المصنع من ناحية، ومن جهة أخرى بأنه سيستفيد بهذا المال في فتح المصنع الجديد، فرفضت في بادئ الأمر، وأخبرته بحرمة ذلك شرعا، وأنه لا يجوز أن يفعل ذلك، أو أن يبدأ بمشروعه بمال حرام، وأن تربيتي، وديني لا يسمحان لي بذلك، ولكنه مع ازدياد المشاكل بينه وبين صاحب المصنع عاود وأصر، وقال لي بأنه صاحب الفضل علي، وأنه ساعدني في هذه الوظيفة، خاصة أنني جلست فترة عاطلا قبل الذهاب إلى هذه الوظيفة، ومع إصراره الشديد على طلبه ضعفت أمام إصراره، وأغواني الشيطان، فقمت بتنفيذ مطالبه من الاختلاس من أرصدة الزبائن، ثم قام هو بتحصليها لصالحه بدلا من إدخالها خزينة الشركة، ولم آخذ منها جنيها واحدا، أو أدخله بيتي، وأشعر بندم شديد، ولا أعرف ماذا أفعل؟ فأنا لا أملك قيمة المبلغ الذي اختلسه مسؤول المبيعات لصالحه، لأقوم برده لصاحب الشركة.... وكنت أرفض تماما ما حدث، ولا أستطيع أن أخبر صاحب الشركة بما فعلت، مع العلم أنني تركت العمل عند صاحب الشركة الآن، وأعمل لدى مسؤول المبيعات بمصنعه الجديد، ووالله أشعر بخوف شديد من عقاب الله يوم القيامة على ما فعلت في حق العباد، ولا أعرف ماذا أفعل؟ أفيدوني.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أخطأ السائل خطأ جسيما حين أعان على اختلاس هذه الأموال، وأكْلِها بالباطل، فإنه بإعانته هذه، لا سيما وهو محاسب الشركة شريك لمن أخذ المال لنفسه: في الإثم، وفي الضمان، ومن توبته أن يرد هذا المال كله لصاحب الشركة الأولى، ثم يرجع هو على مسؤول المبيعات الذي أخذ المال لنفسه، وذلك أن التسبب في السرقة، والإعانة عليها يوجب الضمان على فاعله.

قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: ‌الضمان ‌يجب ‌بالسبب. اهـ.

وقال ابن رشد في البيان والتحصيل: القوم إذا اجتمعوا في الغصب، أو السرقة، أو الحرابة، ‌فكل ‌واحد ‌منهم ‌ضامن لجميع ما أخذوه، كأن بعضهم قوي ببعض؛ فهم كالقوم يجتمعون على قتل الرجل، فيقتل جميعهم به، وإن ولي القتل أحدهم. اهـ.

وراجع في ذلك الفتوى: 63255.

وإن كان السائل لا يستطيع إخبار صاحب الحق، والاستحلال منه، ولا يملك مالا يرد منه الحق لصاحبه، فليعزم على فعله إن قدر مستقبلا، وليلجأ إلى الله -تعالى- ليتحمل عنه تبعاته يوم القيامة، وليكثر من الأعمال الصالحة.

قال الغزالي في كتاب: منهاج العابدين، في بيان كيفية التوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الناس، إذا كانت في المال: يجب أن ترده عليه، إن أمكنك، فإن عجزت عن ذلك؛ لعدمٍ، أو فقر، فتستحلّ منه، وإن عجزت عن ذلك؛ لغيبة الرجل، أو موته، وأمكن التّصَدُّقُ عنه، فافعل، فإن لم يمكن، فعليك بتكثير حسناتك، والرجوع إلى الله تعالى بالتضرّع، والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيامة. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة، الفتويين: 114435، 336325.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني