السؤال
هل يجوز ان أسخر ممن سخر مني بالمثل؟ وكذلك إذا حقرني أحد هل يجوز أن أحقره؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن السخرية من المسلم لا تجوز، كما لا يجوز احتقاره. يقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون {الحجرات:11}،
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ههنا. ويشير إلى صدره ثلاث مرار، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.
لكن إذا كان الشخص قد ظلم أو اعتدي عليه بشيء مما تقدم، فيجوز له أن يرد بمثل ما ظلم به، رغم أن العفو أولى، قال النووي في شرح صحيح مسلم: المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم. معناه: أن إثم السباب الواقع بين اثنين مختص بالبادئ منهما إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له، ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه، فإذا انتصر استوفي ظلامته وبرئ الأول من حقه وبقي عليه إثم الابتداء والإثم المستحق لله. انتهى .
وقال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل {الشورى:39 -41}،
وقال سبحانه: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما {النساء:148}،
يقول الشوكاني: واختلف أهل العلم: في كيفية الجهر بالسوء الذي يجوز لمن ظلم، فقيل: هو أن يدعو على من ظلمه، وقيل: لا بأس أن يجهر بالسوء من القول على من ظلمه بأن يقول: فلان ظلمني، أو هو ظالم، أو نحو ذلك، وقيل: معناه: إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول من كفر أو نحوه، فهو مباح له، والآية على هذا في الإكراه، وكذا قال قطرب، قال: ويجوز أن يكون على البدل، كأنه قال لا يحب الله إلا من ظلم: أي لا يحب الظالم بل يحب المظلوم، والظاهر من الآية: أنه يجوز لمن ظلم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمه، ويؤيده الحديث الثابت في الصحيح بلفظ: لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته. اهـ
وجاء في تفسير السعدي: وقوله: {إلا من ظلم} أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}. اهـ
وفي فتح الباري لابن حجر: فروى الطبري من طريق السدي قال في قوله إلا من ظلم أي فانتصر بمثل ما ظلم به فليس عليه ملام، وعن مجاهد إلا من ظلم فانتصر فإن له أن يجهر بالسوء، وعنه نزلت في رجل نزل بقوم فلم يضيفوه، فرخص له أن يقول فيهم، قلت: ونزولها في واقعة عين لا يمنع حملها على عمومها، وعن ابن عباس: المراد بالجهر من القول الدعاء فرخص للمظلوم أن يدعو على من ظلمه، وأما الآية الثانية فروى الطبري من طريق السدي أيضا في قوله: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون قال يعني ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا، وفي الباب حديث أخرجه النسائي وابن ماجه بإسناد حسن من طريق التيمي عن عروة عن عائشة قالت: دخلت علي زينب بنت جحش فسبتني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فأبت فقال لي سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها فرأيت وجهه يتهلل. اهـ
فدل هذا كله على مشروعية الرد بالمثل على من أساء أو سخر، وإن كان العفو أولى كما تقدم.
وقد بينا في الفتوى رقم: 255238، طريقة الرد المثلى على من أساء أو شتم أو ظلم.
والله أعلم.