السؤال
كيف توفقون بين قوله تعالى: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج.
وقوله صلى الله عليه وسلم: عن أبى ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض، وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق. قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق. قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق على رغم أنف أبي ذر. وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر.
الآية تدل على لعن من يرمي المحصنات، كما لعن إبليس، والحديث الأول ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (وليس بخارج) ما بالك بمن يزني بهن.
الآية، والحديث يدلان على طرد من يرمي المحصنات، وعلى أن من يتكلم في أعراض الناس، مطرود من رحمة الله كإبليس. (أي هل هو خالد أبدا في النار)
كيف توفقون بين الآية والحديث الأول، والحديث الثاني؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى توعد قاذف المحصنات، باللعن، والعذاب العظيم، فقال سبحانه: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم* يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون {النور:24} [النور 23-24].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. وأخرج أحمد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن قال في مؤمن ما ليس فيه، سقاه الله من ردغة الخبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج. وردغة الخبال عصارة أهل النار.
ولكن المراد باللعن في حق عصاة الموحدين، إنما هو الإبعاد عن الرحمة، على الوجه الذي يستحقونه، وذلك بقدر ذنوبهم، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليس هو كلعن الكفار الذين يخلدون في النار، كما أن العاصي الموحد قد يسلم من اللعن لبعض الأسباب المانعة من ذلك، وكذلك سائر نصوص الوعيد، قد يتخلف مقتضاها في حق الموحدين، لوجود سبب من تلك الأسباب، ولا يخلد في النار خلودا أبديا، وقد يعذب الموحد أولا في النار على قدر ذنوبه، ثم يصير إلى الجنة، فكل من نصوص الوعد والوعيد يتوقف حصول مضمونها على وجود المقتضي، وانتفاء الموانع، أو تحمل على وجوه أخرى من التأويل؛ ليحصل الجمع بين بعضها البعض، ويدل لهذا حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتاني آت من ربي، فبشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا، دخل الجنة. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة. قال أبو ذر: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق. قال: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق. ثلاثا، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله، نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه. قال المنذري: رواه البزار، والطبراني، ورواته رواة الصحيح. اهـ. وصححه الألباني.
وحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان .. الحديث. متفق عليه.
قال النووي -رحمه الله-: واعلم أن مذهب أهل السنة، وما عليه أهل الحق من السلف، والخلف أن من مات موحدا، دخل الجنة قطعا، على كل حال... وقد تظاهرت أدلة الكتاب، والسنة، وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي. فإذا تقررت هذه القاعدة، حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره. فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة، وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشرع. اهـ.
وانظر الفتوي رقم: 166501، ورقم: 51247، والفتوى رقم: 61781، والفتوى رقم: 117821، والفتوى رقم: 137828.
والله أعلم.