0 162

السؤال

كان لي صديق، بل أخ توفيت والدته منذ 9 سنوات، ووالده غني جدا، ولكنه متزوج ويعيش بعيدا عن والده، وكان دائم الشكوى من ظلم أبيه وقد قال لي إن علينا أن نؤسس شركة سويا وعلى كل واحد أن يدفع 50 ألف جنيه، وقد أتيت بمالي وشرعت في تأسيس الشركة إلى أن يجهز ماله، ولكنه لم يجهزه، بل لم يكن معه أصلا، فالتمست له العذر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرضته مالي، مع العلم أنه فوت علي فرصة سفر لم أستطع أن أعوضها فيما بعد، ثم حدث بعد ذلك اقترانه بالجن وفرق بيني وبين زوجتي بأفعال عدة، منها عدم المعاشرة وتنفير كل منا من الآخر حتى انتهت بالطلاق، وسيطر علي كليا، فبت لا أستطيع أن آخذ قرارا، وأنفذ كلامه أيا كان، واستغلني في الكذب على والده ليأخذ منه بعض المال ليستثمره في الشركة، وهو في الحقيقة أخذه ليسدد به دينا عليه، وعلمت بعد ذلك بما كان ينويه وقد كذب علي في عدة مشاريع حتى يضيع علي فرص عمل كثيرة، ورزقني الله من عنده التحصين منه، وعندما أفقت من قبضته وجدت أن حياتي مدمرة تماما مع العلم أن الخلاف الذي بينه وبين أبيه الذي يدعي أنه ظلمه أساسه أنه كذب على والده عدة مرات وأخذ منه المال بدون وجه حق، وقد واجهته بما اكتشفت منه من كذب وخداع، فلم يعترف... فهل يجوز أن بوح بأسراره لبعض الأصدقاء، أو لأبيه، وقد يحرمه من الميراث؟ أم أكون بذلك منافقا أو فاجرا؟ وهل علي ذنب فيما أجبرني عليه من الكذب على أبيه؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان صديقك كما وصفت، فبئس الصديق هو، فإن من يتعامل مع الجن ويستخدمهم في التفريق بين الزوجين والكذب والاحتيال على الأموال، وغير ذلك من الصفات المذمومة التي أشرت إليها، لا ينبغي للمسلم أن يتخذه صديقا يأمنه على أسراره وأمواله، بل هذا ينبغي أن يفر منه فراره من الأسد.
وأما ما أجبرك عليه من الكذب على أبيه، فإن كان بغير قصد منك، وإنما أوقعك فيه من حيث لا تعلم، فلا شيء عليك، وكذلك لا شيء عليك إن كان إجباره لك بمعنى أكرهك إكراها ملجئا، وهو الإكراه من قادر وخشي منه تلف نفس أو عضو أو مال ونحوه، وما سوى ذلك فأنت مؤاخذ بإعانتك له على الكذب، فتجب التوبة، وراجع الفتوى رقم: 24683.

وأما أسراره التي تسأل عن جواز إخبار أبيه أو غيره من الناس بها ليفتضح أمره، ففيها تفصيل: فإن كانت هذه الأسرار ذنوبا فيما بينه وبينه ربه، ولا يترتب على كتمانها مفسدة من إضاعة حق مخلوق أو ظهور فساد في المجتمع، فالستر عليه حينئذ أولى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. متفق عليه.
وأما إن كانت هذه الأسرار ذنوبا لها تعلق بحقوق المخلوقين كأن يكون سرق مالا من أبيه أو غيره، أو كانت هذه الأسرار ذنوبا لها تعلق بالشأن العام، وفي كتمانها ضرر على المجتمع، فمثل هذا يحذر منه ومن ذنوبه حتى ترجع الحقوق إلى أهلها، ويحفظ المجتمع من شره، خصوصا إن كان معروفا بالمعاصي، قال النووي في شرح صحيح مسلم: فأما المعروف بذلك ـ أي المعاصي ـ فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد، وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله. انتهى.

ولا يكون إفشاء سره في هذه الحال حراما، ولا تكون بذلك منافقا أو فاجرا، ولو أدى إفشاء سره إلى حرمانه من ميراث أبيه، فإن مفسدة السكوت عنه وعن ذنوبه أشد من مفسدة حرمانه من الميراث، مع أن حرمانه من الميراث أمر مشكوك في وقوعه، ولا يجوز إلا بسبب شرعي، وراجع الفتويين: 17592، 134384

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة