حكم الهجرة إلى بلاد الكفر

0 450

السؤال

أنا مولود في السعودية، من أصل عربي. بعد ما ترعرعت في هذا البلد الإسلامي، اصطدمت بالحرمان من الحقوق كمنعي من الأعمال الحرة، والاستثمار، وامتلاك عقار، وأخيرا أظل تحت رحمة الكفيل مدى الحياة، وللعلم هذا لا يحدث في بلدان العالم العظمى.
هل يجوز شرعا أن أهاجر لبلد الكفر حيث العدالة والإنسانية؟
أرجو نصح ولي الأمر.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما  بعد:

فالإقامة ببلاد الكفار من الأسباب الموجبة لفساد الدين، وضياع الخلق، ومعلوم ما في هذه البلاد من انحلال، وفساد، وضياع إلى أبعد الحدود، وأقصى الغايات، وضرر الإقامة بهذه البلاد أكبر من نفعها؛ وذلك لما فيها من مجاورة الكافرين، وما قد يقتضيه من التعامل معهم بالحرام، والتأثر بأخلاقهم، ومعاملاتهم، وكثرة مشاهدة المنكرات العظيمة.

وقد توعد الشرع من أقام بها، وهو لا يتمكن من التمسك بدينه، كما في قوله تعالى: إن الذين توفاهم الملآئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا {النساء:97}.

قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: هذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراما بالإجماع، وبنص الآية. اهـ.

  وقال الشيخ ابن باز: السفر إلى بلادهم مع قلة العلم، وقلة البصيرة فيه ضرر كبير، وخطر عظيم، فإن الشرك بالله بينهم ظاهر، والمعاصي بينهم ظاهرة من الزنا، وشرب الخمور وغير ذلك، فالسفر إلى بلادهم ولا سيما مع قلة العلم، وقلة الرقيب، من أعظم الأسباب في الوقوع في الباطل، واتباع ما يدعو إليه الشيطان من الشبهات الباطلة، والشهوات المحرمة، وقد سافر كثير إليهم من أجل الدراسة، أو السياحة، أو العمل أو غير ذلك فرجعوا بشر عظيم، وانحراف شديد، وربما رجع بعضهم بغير دينه إلا من سلمه الله ورحمه، وهم القليل، فالواجب على المسلمين أن يكون عندهم نفور من أعداء الله، وحذر من مكائدهم أينما كانوا، وأن لا يقربوهم إلا دعاة إلى الحق، وموجهين إلى الخير، وناصحين حتى يتميز هؤلاء عن هؤلاء. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم السفر إلى بلاد الكفار؟

فقال: السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.

الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.

الشرط الثالث: أن يكون محتاجا إلى ذلك. اهـ.

ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 2007، 7930، 114297.

وما ذكرته من ظروفك، لا نرى فيه مسوغا للإقامة بتلك البلاد، فالذي ننصحك به ترك السفر للإقامة ببلاد الكفر. وبإمكان المسلم أن يطلب الرزق في أي مكان يأمن فيه على دينه، ونفسه. قال تعالى:  ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب . (الطلاق:2، 3) 
  وإن كان يمكنك السكن بالمدينة النبوية، والصبر على المقام بها، ففيه خير كثير لا ينبغي لك التفريط فيه،  ففي  حديث الصحيحين: تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم، ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون؛ وتفتح الشام، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم، ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون؛ وتفتح العراق، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم، ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.

وقوله (يبسون) من: يبس الناقة، أي يسوقها، ويزجرها.

 وفي الحديث: صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام. رواه البخاري ومسلم.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع أن يموت بالمدينة، فليمت بها؛ فإني أشفع لمن يموت بها. رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والبيهقي، وصححه الألباني.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصبر على لأواء المدينة، وشدتها أحد من أمتي، إلا كنت له شفيعا يوم القيامة، أو شهيدا. رواه مسلم.

 وقال الحافظ في الفتح في شرح حديث: والمدينة خير لهم: والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم؛ لأنها حرم الرسول، وجواره، ومهبط الوحي، ومنزل البركات. لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الدينية، بالعوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها. اهـ.

والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى