السؤال
أريد توجيه نصيحة للزوج الذي يرفض أن تتحجب زوجته حجابا صحيحا؛ بحجة أن وضعه الاجتماعي لا يسمح بأن تتحجب زوجته حجابا صحيحا! أو يخاف من نظرة أهله له باحتقار، أو يصفونه بالتطرف! أو بحجة أنه لا يريد لأحد أن يفرض رأيه عليه، وأنه يريد زوجته وفقا لمزاجه الشخصي، وليس لشيء آخر! أو لأنه رجل ديموقراطي؛ لا يريد فرض شيء على زوجته، ولكن يترك لها الحرية الشخصية، لتختار ما تشاء! وغير ذلك!
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يظهر لنا مراد السائل بالحجاب الصحيح الذي يرفضه ذلك الزوج، وعلى كل حال؛ فإن الحجاب فريضة محكمة يجب تحقيقها، ولا تتوقف الاستجابة لأمر الله بها على رضا الزوج، وقد اختلف العلماء في الحجاب الواجب؛ هل يدخل فيه تغطية الوجه والكفين أو لا؟ وقد ذكرنا طرفا من الخلاف في الفتويين: 4470، 5224.
وإن كان هذا الزوج يزعم أنه يجعل الحرية المطلقة لزوجته، وأنه لا يريد أن يرغمها على شيء؛ فليجعل من جملة ما جعل لها الحرية فيه: حريتها في الاطلاع على أدلة وجوب تغطية وجه المرأة وكفيها، وأن لا يقيد حريتها في الالتزام بالحجاب الكامل.
هذا؛ وليعلم هذا الزوج وغيره أن حقيقة الإسلام هي الاستسلام لحكم الله تعالى، والانقياد لشريعته؛ فمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا؛ اقتضى ذلك منه أن يلزم نفسه ويلزم كل من هو تحت ولايته بما أمر الله به أو أمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإن خالف هواه وعادته، قال الله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا {الأحزاب:36}، وقال سبحانه: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون* ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون {النور:51-52}، وقال سبحانه وتعالى أيضا: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {النساء:65}. وتعقيبا على هذه الآية الأخيرة قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكدا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع، وأحكام المعاد، وسائر الصفات وغيرها، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتنفسح له كل الانفساح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضا حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم، وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض" اهـ. وقال الإمام الطحاوي في (العقيدة الطحاوية): "ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم، والاستسلام" اهـ. وشرح هذه العبارة الإمام ابن أبي العز فقال: "أي: لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين، وينقاد إليها، ولا يعترض عليها، ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه. روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري -رحمه الله- أنه قال: (من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم)، وهذا كلام جامع نافع" اهـ. ولمزيد بيان انظر الفتوى رقم: 140885.
والله أعلم.