السؤال
سؤالي عن قوله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن...) أجمع معظم مفسري القرآن على أن معنى اللائي لم يحضن المقصود بها الصغيرة التي لم تحض بعد، وأنا أريد من فضيلتكم الرأي فيمن يقول إنها البالغة الناضجة لكن لا تحيض وذلك للأسباب الآتية:
1ـ لا حاجة لصغيرة لم تبلغ للنكاح ولم تبلغ أبدا الاستعداد النفسي والجسماني لذلك، وذلك ملحق بها الضرر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) والذي يقول إن الصغيرة قد تطيق النكاح قبل البلوغ فهو متكلف.
كما أن الطب يقول بأن أول دورات التبويض لدى المرأة لا تصلح للتخصيب، فحتى من بلغت لا نستطيع أن نزوجها إلا بعد مرور فترة لتصبح صالحة للإنجاب، وهو أهم أسباب النكاح.
2ـ لم يبن الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة إلا في التاسعة وقد تم العقد في السابعة فإذا الانتظار كان للبلوغ والإجماع على ذلك.
3ـ لا يوجد في التاريخ الإسلامي ـ حسب علمي ـ حالة تزوج بطفلة لم تبلغ من قبل صحابي أو تابعي أو عالم جليل.
4ـ قال تعالى في الآية من نسائكم أي المرأة البالغة الناضجة واللائي لم يحضن معطوف عليه.
5ـ الاستناد لقوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم).
6ـ كثير من المشايخ طالب بتقنين القوانين لتحديد سن الزواج وقد صار واقعنا يستدعي ذلك وبالفعل تم.
7ـ قوله تعالى: (يخرج من بين الصلب والترائب...) لم يعد يصح بعد أن تقدم الطب أن نأخذها على رأي المفسرين القدامى، وإنما أصبحت إعجازا وتفسيرا معتبرا به لدى المشايخ في أن الأصل في تطور الخصيتين وملحقاتها كان بين الصلب والترائب وأن الإمداد الدموي وغيره لا زال من هنالك كما يقول علم الأجنة، وبذلك أعرضنا عن أقوال معظم التفسير فلماذا لا نقوم بذلك في هذه الآية؟.
8ـ أعلم أن هناك من العلماء من كان لهم نظرة في هذه الآية يهيئ للمعنى المرجو مثل تعليق الإمام ابن عثيمين على الامام البخاري في هذه المسألة، ومن التفاسير اقتبس لحضراتكم:
الخامسة: وأما من تأخر حيضها لمرض فقال مالك وابن القاسم وعبد الله بن أصبغ: تعتد تسعة أشهر ثم ثلاثة، وقال أشهب: هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أو بالسنة، وقد طلق حبان بن منقذ امرأته وهي ترضع، فمكثت سنة لا تحيض لأجل الرضاع.
السادسة: ولو تأخر الحيض لغير مرض ولا رضاع فإنها تنتظر سنة لا حيض فيها, تسعة أشهر ثم ثلاثة على ما ذكرناه.
9ـ اجتهادات المفسرين في هذه الآية مجرد اجتهادات بشرية تصيب و تخطئ وهي تتأثر بالظروف والأحوال وموافقة المعاصرين له هي موافقة متأثرة بهم.
10ـ إذا كان الزواج لقضاء الشهوة والغريزة فكان من باب أولى أن يكون بمن أصبح معدا لهذا وصار في حاجة له.
11ـ من إعجاز الآية شمولها لجميع أحوال النساء فهناك فئة لم تحض في حياتها لتيأس من الحيض.
أرجو تقبل سؤالي وإن أخطأت، والإجابة بما يناسب ظروف العصر وأحواله، وأنا متأكد من علم حضراتكم وحرصكم على الإفادة في دين الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ورد في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن جرير والبيهقي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ابن مردويه وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه لما نزلت عدة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها، قال: يا رسول الله؛ إن ناسا من أهل المدينة يقولون: قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء، قال: وما هو؟ قال: الصغار والكبار وذوات الأحمال. قال: فنزلت: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن. هذا لفظ البيهقي، وعند ابن أبي حاتم بلفظ: فأنزل الله التي في سورة النساء القصرى: واللائي يئسن من المحيض.
وهذا يدل على أنها نزلت في حكم من لا تحيض لصغر أو كبر، قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مبينا لعدة الآيسة وهي التي قد انقطع عنها المحيض لكبرها أنها ثلاثة أشهر عوضا عن الثلاثة قروء في حق من تحيض؛ كما دلت على ذلك آية البقرة، وكذا الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض أن عدتهن كعدة الآيسة ثلاثة أشهر، ولهذا قال تعالى: "واللائي لم يحضن"، عن أبي كريب وأبي السائب قالا: ثنا ابن إدريس أنا مطرف عن عمرو بن سالم قال: قال أبي بن كعب: يا رسول الله؛ إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب: الصغار والكبار وأولات الأحمال، قال: فأنزل الله عز وجل "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن". ورواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا السياق فقال: ثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة أنا جرير عن مطرف عن عمر بن سالم عن أبي بن كعب قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ناسا من أهل المدينة لما أنزلت هذه الآية التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء ولم يذكرن في القرآن: الصغار والكبار اللائي قد انقطع منهن الحيض وذوات الحمل، قال: فأنزلت التي في النساء القصرى "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن".
وأما عن زواج الصغيرات قبل البلوغ فقد كان معروفا في عهد السلف، ولم نر من ذكر حصول الضرر به للبنات المطيقات، وأما من لا تطيق لكونها صغيرة جدا فقد صرح الفقهاء بمنع تمكين الزوج منها تفاديا لإلحاق الضرر بها، قال ابن قدامة في "المغني": أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها، قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها. اهـ
وقال البغوي كما في "فتح الباري": أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم، وإن كن في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال. اهـ
والآثار الدالة على اشتهار الزواج المبكر في عهد الصحابة من غير نكير كثيرة، فقد زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وقد ولدت له قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر رضي الله عنه وهي صغيرة لم تبلغ بعد، رواه عبد الرزاق في المصنف، وابن سعد في "الطبقات".
وعن عروة بن الزبير: أن الزبير رضي الله عنه زوج ابنة له صغيرة حين ولدت. رواه سعيد بن منصور في سننه، وابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح.
وقال الشافعي في "كتاب الأم": وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة. اهـ
هذا عن بعض المسائل التي أثرتها، ويمكن أن تراسلنا في بقيتها في رسالة أخرى فقد ذكرنا لك عند طرح هذا السؤال أن الأسئلة المتعددة لا نجيب إلا عن واحد منها، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 110018، 126686، 261709، وإحالاتها .
والله أعلم.