السؤال
زوجتي تتعدى علي لفظيا أحيانا ببعض الكلام المستفز، وأنا رجل مغترب وزوجتي تعيش بالبلد الأم مع والدتها، وتقوم بزيارتي، وأنا أقوم بزيارتها دائما، وهي عاملة، ودائما ما أطلب منها صورا لها ولبنتي، وهي تتحجج بأنها تأتي من العمل مضغوطة والبنت تتطلب اهتماما، وتتعصب وتقوم بقول أشياء لا يجوز لزوجة قولها لزوجها، ودائما تفكر في المستقبل، وفي ماذا سوف نوفر لأطفالنا، ولكنها تفكر فيه بكثرة مما يجهدني نفسيا، مع العلم أنها مترددة في قرارتها، ومن يومين تعدت علي لفظيا وأقسمت أنني لن أحادثها إلا إذا اعتذرت، فما حكمي وحكمها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد إلينا منك سؤالان أحدهما أكثر تفصيلا من الآخر نجمل جوابهما هنا فنقول:
أولا: إنك قد ذكرت عن زوجتك بعض الصفات الطيبة، فنوصيك بتعزيز هذا الجانب من صفاتها بذكرها لها وثنائها عليها من خلالها. وهكذا حال كثير من النساء فيهن من الصفات الحسنة والصفات السيئة؛ روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقا رضى منها آخر. قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: الصواب أنه نهي؛ أي: ينبغي أن لا يبغضها؛ لأنه إن وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا؛ بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك. اهـ. هذا أولا.
ثانيا: ينبغي لكل من الزوجين أن يعرف حق الآخر عليه، فيقوم به على أكمل وجه، فبهذا تستقيم الحياة وتستقر الأسرة، وقد بينا الحقوق بين الزوجين في الفتوى رقم: 27662. فلا يجوز لأي منهما أن يطغى على الآخر، فإن ثبت ما ذكرته عن زوجتك أنها تتعدى عليك ببعض الكلام القبيح فهي بهذا ناشز، وعلاج النشوز مبين في الفتوى رقم: 1103، والأولى في مثل هذا النوع من النشوز أن يكون التركيز على الوعظ دون غيره؛ قال النووي في روضة الطالبين: لتعدي المرأة ثلاث مراتب. إحداها: أن يوجد منها أمارات النشوز قولا أو فعلا، بأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان لينا، أو يجد منها إعراضا وعبوسا بعد طلاقة ولطف، ففي هذه المرتبة، يعظها ولا يضربها ولا يهجرها ... اهـ.
وعلى كل حال؛ فإن الهجر الذي لجأت إليه ليس بأول الحلول، وإذا كانت زوجتك عنيدة ربما تأزم بسببه الأمر، فتنبه لذلك.
ثالثا: بخصوص اليمين التي صدرت منك، فينبغي لزوجتك أن تعتذر لك عما بدر منها تجاهك من تفريط، ولكن إن لم تعتذر لك، وتحقق المراد من استقامة حالها فالأولى أن لا تلتفت إلى اعتذارها من عدمه، فحادثها وكفر عن يمينك؛ ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين ثم أرى خيرا منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذى هو خير" متفق عليه.
رابعا: إن كانت زوجتك عاملة كما ذكرت، وترعى عيالها، وأنت بعيد عنها، فنرجو أن تلتمس لها العذر في عدم إمكانية تنفيذها ما طلبت منها من الصور أو غيرها، والأولى أن تبحث عن بديل وهو رؤيتك لهم من خلال برامج التواصل في الهاتف أو الكمبيوتر، فيزول الإشكال من أصله.
وعلى كل تقدير؛ ليس من حقها أن تقابلك بهذه العصبية، فقد جعل الله لك القوامة عليها، فعليها أن تعرف لك قدرك، وتطيعك في المعروف ما أمكنها ذلك. وينبغي أن تنصح باتقاء الغضب عملا بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولتعمل بما جاءت به السنة النبوية من وسائل علاج الغضب، وهي مضمنة في الفتوى رقم: 8038.
خامسا: مجرد التفكير في المستقبل والتخطيط له وتدبير الأمور من أجله لا حرج فيه؛ ففي الصحيحين واللفظ للبخاري، عن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم. وترجم عليه البخاري باب: (باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله). قال ابن مفلح في الآداب الشرعية نقلا عن ابن الجوزي أنه قال: فيه جواز ادخار قوت سنة، ولا يقال هذا من طول الأمل؛ لأن الإعداد للحاجة مستحسن شرعا وعقلا ...اهـ. ولكن المشكلة أن يكون هذا مثارا للخلاف ومصدرا لإزعاج الزوج، فمثل هذا لا يرتضى منها، وإذا قمت بمدارتها في هذا الأمر لكان حسنا، فمن أجل هذا وأمثاله، وحتى تدوم العشرة، وتجتنب المنغصات، رخص الشرع في كذب الزوج على الزوجة وكذب الزوجة على الزوج بضوابطه التي بيناها في الفتوى رقم: 113633.
وننبه إلى أن الأولى بالزوج أن يقيم أهله حيث يقيم، وليس من حقه أن يغيب عنها أكثر من ستة أشهر إلا برضاها، وراجع الفتوى رقم: 22429.
والله أعلم.