الشكوى المحمودة والشكوى المذمومة

0 1820

السؤال

جزاكم الله خيرا: أريد أن أعرف مدى صحة هذه المقولة وهل هي منسوبة إلى الإمام علي رضي الله عنه: من شكا إلى مؤمن فكأنما شكا إلى الله، ومن شكا إلى كافر فكأنما شكا الله؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا لم نعثر على ما يفيد صحة نسبة هذه المقولة للإمام علي ـ رضي الله عنه ـ وأما عن مدلولها: فليس صحيحا، لأن الشكوى إلى المؤمن لا تساوي الشكوى إلى الله تعالى، وقد رغب أهل العلم في الشكوى إلى الله والتضرع له وسؤاله إزالة ما أصاب العبد، ورغبوا في البعد عن الشكوى لغير الله تعالى، سواء كان هذا الغير مسلما أو كافرا، وقد حكى الله عن يعقوب ـ عليه السلام ـ أنه قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله {يوسف86}.

وقال تعالى في شأن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله {المجادلة1}. 

وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وقد دلت النصوص على الأمر بمسألة الخالق والنهي عن مسألة المخلوق، في غير موضع، كقوله تعالى: فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ـ وقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ـ ومنه قول الخليل: فابتغوا عند الله الرزق ـ ولم يقل فابتغوا الرزق عند الله، لأن تقديم الظرف يشعر بالاختصاص والحصر، كأنه قال لا تبتغوا الرزق إلا عند الله، وقد قال تعالى: واسألوا الله من فضله ـ والإنسان لا بد له من حصول ما يحتاج إليه من الرزق ونحوه، ودفع ما يضره، وكلا الأمرين شرع له أن يكون دعاؤه لله، فله أن يسأل الله وإليه يشتكي، كما قال يعقوب عليه السلام: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.... اهـ.

وقال ابن القيم في عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط، والجوارح عن اللطم وشق الثياب ونحوها، كان ما يضاده واقعا على هذه الجملة، فمنه الشكوى إلى المخلوق فإذا شكى العبد ربه إلى مخلوق مثله، فقد شكى من يرحمه إلى من لا يرحمه، ولا تضاده الشكوى إلى الله. اهـ. 

وقال ابن القيم في الفوائد: الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم، ورأى بعض السلف رجلا يشكو إلى رجل فاقته وضرورته، فقال: يا هذا؛ والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك ـ وفي ذلك قيل: إذا شكوت إلى ابن آدم إنما * تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم ـ والعارف إنما يشكو إلى الله وحده، وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه، فهو ناظر إلى قوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ـ وقوله: وما أصابك من سيئة فمن نفسك ـ وقوله: أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ـ فالمراتب ثلاثة: أخسها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات