0 327

السؤال

من المعلوم أن شيئا من كلام العرافين تظهر صحته، بسبب ما يلقيه إليهم أولياؤهم من الجن، والشياطين مما علموه، أو اطلعوا عليه، أو باستراقهم للسمع، فهذا الشيء يسبب لي قلقا، وخوفا داخليا بسبب الشعور بعدم تكذيب العرافين كليا، مع العلم أنني أحاول مدافعة ذلك باستمرار، خوفا من الكفر، فمن أهل العلم من قال: إن تصديقهم حتى لو كان ظانا أن ما يخبرون به مما يخبرهم به الجن بعد علمهم به كفر أكبر، وحتى لو كان أصغر، فهو يقينا ذنب تجب التوبة منه، فكيف أنزع ذلك التردد من قلبي؟ علما أنني لا آتيهم، ولا أحب أن أسمع عنهم أصلا، لكن مجتمعنا لا يخلو من الحديث عنهم -جزاكم الله خيرا-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن ما يظهر صحته من كلام هؤلاء قليل بالنسبة لما فيه من الباطل، فإنهم لا يصدقون إلا قليلا، كما في الحديث الذي رواه البخاري ـ رحمه الله ـ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا، بعضه فوق بعض، وصفه سفيان ـ أي: راوي الحديث ـ بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر، أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.

وقد حرم أهل العلم اعتقاد كون أحد من الناس يعلم الغيب، كما حرموا تصديقه فيما يقول، ومن صدقه خرج من ملة الإسلام، وكفر كفرا أكبر، قال تعالى: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله {النمل:65}، وقال تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب { الأنعام: 50}، وقال تعالى: قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير {الأعراف:188}, وقال تعالى: ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله {هود: 123}، وقال تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين {الأنعام:59}، وقال تعالى: وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين {سبأ:3} .

وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: ومن زعم أنه ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله {النمل:65}.

وقد جاء في صحيح مسلم: من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما. وفي الحديث: من أتى كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد. رواه البزار بإسناد جيد قوي.

وقال شيخ الإسلام: والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع، وكانوا يخلطون الصدق بالكذب، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة تنزل في العنان، وهو السحاب، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم. اهـ.

وفي فتاوى الشيخ ابن بازلا يجوز الاعتماد على الكهنة، والمشعوذين، والعرافين، بل يجب أن يقضى عليهم عن طريق الدولة، إذا كانت مسلمة تخاف الله، يجب عليها أن تقضي عليهم، وأن تلتمسهم، وأن تؤدبهم، وتعاقبهم حتى يتركوا هذا العمل، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: أنه سئل عن الكهان، فقال: لا تأتوهم، فقيل له: إنهم قد يصدقون في بعض الشيء، فقال: تلك الكلمة يسمعها الجني من الملائكة إذا استرق السمع، فيقرها في أذن أولئك الكهنة، فيصدق الكاهن، والساحر بسبب تلك الكلمة التي سمعت من السماء في كذبهم الكثير، ويقولون: قد قال كذا وكذا، وصدق فيصدقون فيما يكذب فيه من مئات الكذبات، التي لا أساس لها، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام ـ وقال عليه الصلاة والسلام: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ـ كما في المسند الصحيح رواه مسلم في صحيحه- رحمه الله-، وقال عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من سحر، أو سحر له، أو تكهن، أو تكهن له، أو تطير، أو تطير له". فهؤلاء لا يصدقون، ولا يعتمد عليهم، وإذا صمموا وأقروا أنهم يعلمون الغيب، أو يدعون علم الغيب صاروا كفارا بذلك، ومن ادعى أنه يعلم المغيبات يكون كافرا، كما قال الله عز وجل: "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" ـ فمن زعم أنه يعلم الغيب فإنه مكذب لله، ومشارك لله فيما اختص فيه سبحانه وتعالى، وهذا كفر أكبر، وضلال بعيد، علم الغيب لا يعلمه إلا الله حتى الأنبياء لا يعلمونه، حتى محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الخلق لا يعلم الغيب، إلا ما علمه الله إياه، كما قال عز وجل: قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون. اهـ.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة: ولا يجوز أن يذهب إلى الكهنة الذين يزعمون معرفة الغيب؛ ليعرف منهم مرضه، ولا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به، فإنهم يتكلمون رجما بالغيب، أو يستحضرون الجن؛ ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء شأنهم الكذب، والاستعانة بالجن شرك أكبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ـ رواه مسلم. وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ـ رواه البزار بإسناد جيد. ولا يجوز له أن يخضع لما يزعمونه علاجا من صب رصاص، ونحوه على رأسه، فإن هذا من الكهانة، ورضاه بذلك مساعدة لهم على الكهانة، والاستعانة بشياطين الجن، كما لا يجوز لأحد أن يذهب إلى من يسأله من الكهان من سيتزوجه ابنه، أو عما يكون من الزوجين، أو أسرتيهما من المحبة، والعداوة، والوفاق، والفراق، فإن ذلك من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله. اهـ. 

 وما دمت ـ والحمد لله ـ لا تذهبين إليهم، ولا تحببين سماع أخبارهم، فأنت على خير، فلا تلتفتي للوساوس، واصرفي نفسك عن التفكير في أمرهم. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة