ما حكم من يهرب من شرع الله حتى يتبع هواه؟

0 275

السؤال

هناك من يعلم من أصدقائي أنني أتبع الشرع في شتى أمور حياتي، وأربط كل شيء بالدين، وسمعتهم مرة يقولون: دعنا لا نذكر هذا الموضوع أمامه حتى لا يأتي لنا بفتوى، وأعلم عنهم أنهم طيبون، ويخشون أن يعلموا أن الشيء خطأ، وانتابني شعور بالخوف عليهم، فقد أحسست أنهم يريدون أن يتبعوا أهواءهم، وصرحوا بذلك أمامي أنهم لا يتحدثون أمامي؛ خوفا من أن آتي لهم بفتاوى تصدهم عن حياتهم، بغض النظر إذا كانت صحيحة أم خاطئة، وقد حاولت مراجعة جميع الفتاوى للتوصل لأي فتوى بهذا الصدد، فلم أجد، فما حكم من يهرب من شرع الله حتى يتبع هواه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه يجب على المسلم التعرف على منهج الهدى، والعمل به والاستقامة عليه، ولا يجوز له اتباع الهوى، وخلاف أمر الله تعالى، بل بجب عليه أن ينهى النفس عن الهوى، ويحملها على الطاعة، فقد قال الله تعالى: ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب {ص:26}، وقال: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين * هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون * أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون {الجاثية:18ـ21}.

وقال الله تعالى في شأن بلعام بن باعوراء: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون {الأعراف: 175ـ176}، وقال تعالى: فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين {القصص:50}.

وروي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى: فيصد عن الحق، وأما طول الأمل: فينسي الآخرة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: فليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله، ورسوله دون ما يشتهيه، ويهواه، قال الله تعالى: ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، وقال تعالى: وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم. ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، وقال: ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل. وقال تعالى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا * أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا. وقال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ـ وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. انتهى.

وقال أيضا في مجموع الفتاوى: العبادات مبناها على الشرع، والاتباع، لا على الهوى، والابتداع، فإن الإسلام مبني على أصلين:

أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له.

والثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع، قال الله تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا .الآية، وقال تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من واجب، ومستحب لا يعبده بالأمور المبتدعة، كما ثبت في السنن من حديث العرباض بن سارية، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي مسلم أنه كان يقول في خطبته: خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. انتهى.

وقال الشاطبي ـ رحمه الله ـ في الموافقات: كل موضع ذكر الله تعالى فيه الهوى، فإنما جاء به في معرض الذم له ولمتبعيه، وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس، أنه قال: ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا ذمه ـ فهذا كله واضح في أن قصد الشارع الخروج عن اتباع الهوى، والدخول تحت التعبد للمولى. انتهى.

وقال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في أضواء البيان: إن الواجب الذي يلزم العلم به أن يكون جميع أفعال المكلف مطابقة لما أمره به معبوده جل وعلا، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه، فقد صرف جميع ما يستحقه عليه خالقه من العبادة والطاعة إلى هواه. انتهى.

 وقال ابن القيم في مدارج السالكين: فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل، ويعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق ويضل عن الطريق المستقيم، فلا تحصل بصيرة العبد معه ألبتة، والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه، ونظره، فأرته نفسه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، فالتبس عليه الحق بالباطل. اهـ.

وبهذا تعلم أن ما عليه أصحابك من الإعراض عن معرفة حكم الشرع خوفا من أن يخالف ما هم عليه، أن هذا خطأ بين، وهو خلاف ما أمر به المؤمنون من تحكيم شريعة ربهم في كل أمر، صغير أو كبير، عظيم أو حقير، فابذل لهم النصح، وبين لهم أن الفلاح، والسعادة، والنجاة في معرفة حدود الله ومحارمه، والوقوف عندها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة