السؤال
جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه لنا من خدمات: أنا شابة أبلغ من العمر 19 سنة، وأدرس في الجامعة، وقد أنعم الله علي بنعمة الهداية، فالتزمت منذ بضعة شهور، وفي هذه الأيام لدي وسوسة حول موضوع تكفير الكاهن الذي يدعي علم الغيب، ويتعاطى أخبار المستقبل، مع العلم أنني بحثت -بفضل الله- عن نواقض الإسلام، ووجدت أنه لا يحكم بكفر المعين، وتأتيني فكرة في عقلي تقول لي: إن الكاهن خارج عن عامة الناس الذين لا يجب علي تكفيرهم؛ لأنه يدعي علم الغيب بكل وضوح، وباستمرار، ويتخذها مهنة... وتأتيني فكرتان متناقضتان:
الأولى تقول لي: لا، إنه يجب علي تكفير هؤلاء المعينين...
والثانية تقول لي: إنهم يتخذونها مهنة، ويدعون علم الغيب، وإن لم أكفرهم، فسأكفر، وأعلم أن هذه من وساوس الشيطان، وأنا مبتلاة بأنواع أخرى من الوسوسة، وإن كان الجواب هو أنه يجب تكفيره بحسب أحواله، فهل أنا مكلفة بدراسة أحواله؟ وبماذا تنصحونني؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك نعمة الهداية، ونسأل الله أن يمن علينا، وعليك بالاستقامة، والعافية من الوسوسة، وقد بينا ما يجب على الموسوس فعله ليتخلص من مرض الوسوسة، وذلك في الفتوى رقم: 51601.
كما بينا في الفتوى رقم: 162927، أن الحكم بالردة على الأعيان، وما يترتب عليه لا يكون لآحاد الناس.
وإنما يكون للقضاء الشرعي الذي يتولاه ثقات أهل العلم، ولا يكون ذلك إلا عند توفر شروط التكفير، ومن أهمها إقامة الحجة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:... الشخص المعين لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة، التي يكفر تاركها، وهذا كما في نصوص الوعيد، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ـ فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار؛ لجواز أن لا يلحقه الوعيد، لفوات شرط، أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بلغه..... اهـ.
واعلمي أنه قد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى-: هل يكفر الكاهن ويخرج من الملة، أم إنه كفر دون كفر؟ وقد قدمنا في بعض الفتاوى السابقة أن الراجح من أقوال أهل العلم أن العرافة، والكهانة، وادعاء علم الغيب تخرج صاحبها من ملة الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أتى كاهنا، أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد. رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة.
فإذا كان الذي يأتي الكاهن ويصدقه كافرا بالإسلام، فكيف بمن يتعاطاها، ويدعيها؟! والله سبحانه وتعالى يقول: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو {الأنعام: 59}، وقال سبحانه: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا {الجن: 26ـ 27}، وقال سبحانه: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون {النمل: 65}.
وإذا كان الأمر هكذا؛ فإن المسلم يعتقد كفر عموم الكهان المدعين لمعرفة الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وأما المعين الذي يتهم بقيامه بالكهانة، وادعاء علم الغيب، فيجب نصحه، وتحذيره، وتحذير الناس من سؤاله، وتصديقه.
ولا يلزم اعتقاد كفره قبل أن يثبت القضاء الشرعي الحكم بذلك، ويتأكد على الموسوس البعد عن الخوض في التكفير، والتفكير فيه، وأن يتذكر خطر من كفر مسلما بغير حق، فقد روى البخاري، ومسلم عن أبي قلابة: أن ثابت بن الضحاك حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لعن مؤمنا، فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر، فهو كقتله.
والله أعلم.