السؤال
أنا سوري ولاجئ في أوروبا مع عائلتي، وصلنا إلى سويسرا بالفيزا ضمن طرق قانونية وهدفنا تقديم اللجوء، لكن كوننا أتينا بالفيزا فنحن قبل تقديم اللجوء موجودون بالبلد باسم الزيارة العائلية، ذهبنا لمركز تقديم اللجوء، يشترط المركز أن يكون لدى المقدمين ظروف إنسانية معينة أو سياسية معينة لإعطائه حق اللاجئ.
وحق اللاجئ باختصار: إقامة تسمح له بالبقاء في البلاد، مكان للسكن على حسابهم، مصاريف أسبوعية للأكل والشرب، تأمين أمور التعليم من مصاريف ومدارس وكذا... وإذا وجد الشخص عملا يكسب منه مالا ويستطيع تحمل مصاريفه فيتحملها ويتوقف عن أخذ المال، بل ويبدأ بشكل دفعات بسيطة بترجيع ما أخذ.
ما حكم هذا كله؟
ونحن لا نعرف أصلا لماذا يعطينا الكفار هذا كله تحت مسمى، هل هذا عمل إنساني مع الشعوب ذات الظروف الصعبة، فنشكرهم عليه؟ أم أنهم مجبرون على هذا ضمن عهود ومواثيق؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا حرج عليكم في تقديم اللجوء في تلك الدول بسبب ظروف الحرب التي تمر بها بلادكم، وقد هاجر جماعة من الصحابة رضي الله عنهم من مكة إلى دولة نصرانية وهي الحبشة في ذلك الوقت طلبا للحماية من بطش قريش، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي وهو كافر حين رجع من الطائف، ودخل أبو بكر الصديق في جوار ابن الدغنة وكان كافرا، قال ابن حزم في المحلى: وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعانهم عليهم، ولم يجد في المسلمين من يجيره، فهذا لا شيء عليه، لأنه مضطر مكره، وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب: كان عازما على أنه إن مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم، لأن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه، وهو كان الوالي بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور. اهـ
وينبغي أن يكون كل واحد منكم سفيرا للإسلام فيدعو إلى الله تعالى ويجتهد في نشر الإسلام وتعليم المسلمين .
وأما أخذ المساعدات التي يقدمونها للاجئين منكم، فمن كان قادرا على التكسب ووجد عملا مباحا، فإنه ينبغي له أن يعمل ويستعفف عن أخذ المال الذي يعطى للاجئين فإن اليد العليا خير من اليد السفلى لا سيما إذا كان المعطي كافرا لما في الأخذ منه من المنة على المسلم، وقد جاء الشرع بالترغيب في أن يأكل الإنسان من كسبه ولو في بلاد المسلمين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه... رواه أبو داود وغيره .
وإن كان غير قادر على التكسب أو لم يتحصل على عمل أو كانت القوانين تمنعه مؤقتا من العمل حتى يبت في قضية لجوئه ـ كما هو الحال في بعض البلاد الأوربية ـ فلا حرج في أخذ ما تعطيه له تلك الدولة من المساعدات المادية وغيرها، حتى على القول بعدم جواز قبول هدية الكافر كما قال به بعض الفقهاء استدلالا بحديث (إني نهيت عن زبد المشركين) رواه أبو داود والترمذي، والزبد هو الرفد والعطاء، فإن الضرورة تبيح أخذ تلك المساعدات، وانظر الفتوى رقم: 28513، عن قبول هدية المشرك، والفتوى رقم: 228673، عن شروط جواز قبول مساعدات الكفار.
ويلزمه شرعا التقيد بقوانينهم المنظمة لشؤون اللاجئين وغيرها من القوانين المعمول بها في البلد بشرط أن لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فإذا كانت تلك القوانين تمنع من تحصل على فرصة عمل تمنعه من أخذ تلك المساعدات لم يجز مخالفتها، وحرم التحايل عليها بأخذ المساعدات في حق من يعمل، وإذا كانت تلزم من تحصل على عمل برد تلك المساعدات التي قدمت له فهي دين عليه يلزمه ردها على حسب المعمول به عندهم.
وأما لماذا تقدم تلك الدول كل هذه المساعدات فإنها تفعل ذلك لعدة أسباب، منها كونها موقعة على القوانين الدولية المعنية بتقديم العون للاجئين بسبب الحروب وغيرها من الكوارث، ومنها أن لهم مصلحة في الاستفادة من الأيدي العاملة للاجئين، فبعض تلك الدول تعاني من الشيخوخة وقلة الشباب في أوساطهم فتستفيد من الوافدين إليها من اللاجئين بتشغيلهم وإدارة دفة الاقتصاد في بلدانهم، ومن تلك المصالح التي ينبغي للمسلم أن لا يغفل عنها وعليه أن يحذرها أن تلك الدول تسعى لغرس ثقافتهم ومعتقداتهم وعاداتهم ولغاتهم في أوساط اللاجئين أو في أولادهم من بعدهم، ولذا فإن الواجب على المسلم أن يكون فطنا حذرا على دينه ودين أسرته وليجتهد في الخروج من تلك الدول متى سنحت له الفرصة في العيش بكرامة في بلد من بلاد الإسلام، نسأل الله تعالى أن يجعل لكم ولسائر إخواننا المسلمين المضطهدين من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا.
والله تعالى أعلم.