السؤال
كيف أكون من عباد الله الصالحين؟ وكيف تعيش حياة سعيدة تكون فيها مطمئنا مرتاح البال؟ وهل لابد من المعرفة الكاملة بالعلوم الشريعة لتحقيق ذلك؟ انصحوني بارك الله فيكم.
كيف أكون من عباد الله الصالحين؟ وكيف تعيش حياة سعيدة تكون فيها مطمئنا مرتاح البال؟ وهل لابد من المعرفة الكاملة بالعلوم الشريعة لتحقيق ذلك؟ انصحوني بارك الله فيكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشخص يكون من عباد الله الصالحين بفعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، فيفعل الشخص جميع الواجبات، ولا يقصر في شيء منها، فإنها أحب ما تقرب به العبد إلى الله تعالى، ثم يجتهد بعد ذلك في فعل النوافل، ويستكثر منها ما استطاع، فإنه لا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه الله تعالى، فإذا أحبه الله تعالى كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ثبت ذلك في الحديث القدسي المشهور الذي خرجه البخاري من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ويترك هذا العبد مع هذا جميع المحرمات، ويجتهد كذلك في ترك المكروهات، وكلما زل وهفت نفسه وواقع شيئا مما حرمه الله تعالى بادر بالتوبة والاستغفار، وأتبع تلك السيئة حسنة تمحوها، عاملا بقوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات {هود:114}.
وهو يستعين على ذلك بالإكثار من دعاء الله تعالى وذكره والتضرع له واللجأ إليه، ويستعين على ذلك أيضا بصحبة الصالحين، وبالاجتهاد في تعلم العلم النافع، وإدمان الفكرة في أسماء الرب وصفاته، والفكرة في اليوم الآخر وما فيه من الأهوال العظام، وأما سبيل الحياة السعيدة الطيبة في الدنيا: فقد وضحه الله توضيحا لا مزيد عليه وبين أنه لا يحصل إلا بالعمل الصالح المرضي لله تعالى، وذلك في قوله جل اسمه: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة {النحل:97}.
وهذه الحياة الطيبة تكون للعبد في دوره الثلاث، قال ابن القيم رحمه الله: وقد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته، فقال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {النحل: 97} وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضا، والرزق الحسن وغير ذلك، والصواب: أنها حياة القلب ونعيمه، وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله، ومحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة، كما كان بعض العارفين يقول: إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب، وقال غيره: إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا، وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح، فإنه ملكها، ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكره، وهي عكس الحياة الطيبة وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث، أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، والمعيشة الضنك أيضا تكون في الدور الثلاث، فالأبرار في النعيم هنا وهنالك، والفجار في الجحيم هنا وهنالك، قال الله تعالى: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير {النحل: 30} وقال تعالى: وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله {هود: 3} فذكر الله سبحانه وتعالى، ومحبته وطاعته، والإقبال عليه ضامن لأطيب الحياة في الدنيا والآخرة، والإعراض عنه والغفلة ومعصيته كفيل بالحياة المنغصة، والمعيشة الضنك في الدنيا والآخرة. انتهى.
وأما الواجب على الشخص تعلمه: فقد بيناه في الفتوى رقم: 170405.
وما عدا ذلك مما لا يجب تعلمه على كل مكلف، فهو من فروض الكفايات، والاجتهاد في طلبه وتحصيله من أعظم القربات.
والله أعلم.