أحكام ورثة من التقط لقطة عرف صاحبها ولم يؤدها له

0 143

السؤال

توفي أبي منذ ثلاثة أسابيع وترك زوجة، وأربعة أشقاء، وأنا وأختين لي، وأخي، وأخ وأخت لأب، ومبلغ من المال الذي تركه أبي حرام ـ مبلغ ضاع من شخص أثناء سفره في القطار مع أبي، فبقي يتصرف في هذا المال بحجة أنه في حاجة إليه، رغم أنه تعرف على هوية فاقد المال من خلال وثائق كانت في نفس المحفظة مع المال ـ وهو حوالي 30000 درهم مغربي ـ وجدت في أغراض أبي بعد وفاته، ولم أجد أي شيء يمكنني من معرفة هوية الشخص الذي ضاع منه المال، وهذا يؤلمني أنا وأمي وأختي الكبرى، ولا نريد أن يبقى هذا المال دينا على أبي، وقد وجدت في أغرا ض أبي 20000 درهم مغربي، فاحتفظت بها بعد أن أخبرت أمي وأختي الكبرى أنني سأطلب من باقي الورثة إخراج المال الحرام من التركة قبل تقسيمها، فإذا وافقوا أضفت المبلغ الذي وجدته إلى باقي الإرث، وإذا لم يوافقوا تصرفت في المال بالتصدق به صدقة جارية على المحتاجين، فما رأيكم فيما أعتزم؟ وادعوا الله أن يغفر لأبي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فنسأل الله أولا أن يغفر لأبيك وسائر أموات المسلمين، ثم إن الواجب إرجاع ذلك المبلغ إلى صاحبه إن أمكن ولا يدخل ذلك المبلغ في جملة التركة التي تقسم بين الورثة، لأنه ليس ملكا لأبيك، وقد كان الواجب عليه رده إلى صاحبه ما دام قد أمكنه ذلك وعرفه, وإذا كان والدكم قد استهلك ذلك المال، فإنه يبقى دينا في ذمته ويؤخذ من تركته بعد مماته قبل قسمة التركة، لأن الدين مقدم على حق الورثة في المال، وإذا لم تعلموا صاحبه فقد ذكر أهل العلم أن المال المغصوب والودائع وغيرها من الأموال التي تعذر ردها لأصحابها بسبب عدم معرفتهم أنه يتصدق بها عنهم ويكون ثوابها لهم، قال صاحب الزاد: وإن جهل ربه تصدق به عنه مضمونا... اهـ.

وفي الروض: أي: بنية ضمانه إن جاء ربه، فإذا تصدق به كان ثوابه لربه. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإذا كان بيد الإنسان غصوب، أو عوار، أو ودائع، أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين المصالح الشرعية, ومن الفقهاء من يقول: توقف أبدا حتى يتبين أصحابها, والصواب الأول, فإن حبس المال دائما لمن لا يرجى، لا فائدة فيه، بل هو تعرض لهلاك المال واستيلاء الظلمة عليه, وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية فدخل بيته ليأتي بالثمن، فخرج فلم يجد البائع فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن, ويقول: اللهم عن رب الجارية، فإن قبل فذاك، وإن لم يقبل فهو لي وعلي له مثله يوم القيامة, وكذلك أفتى بعض التابعين من غل من الغنيمة وتاب بعد تفرقهم أن يتصدق بذلك عنهم، ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم كمعاوية وغيره من أهل الشام. انتهى.

وأما هل تتصرفين في المال إذا لم يوافق الورثة: فاعلمي أنه لا يخلو حال الورثة من أحد أمرين:

أولهما: أن يقروا جميعا بما ذكرته من أن والدك أخذ المال ولم يرده لصاحبه مع علمه به، وفي هذه الحال ليس لهم الحق أن يمتنعوا من إخراج المال والتصدق به، لأنه دين، والدين مقدم على حق الورثة في المال.

ثانيهما: أن يجحد بعض الورثة ما ذكرته ولا يقرون به، ففي هذه الحال يخصم الدين من نصيبك أنت، لأنك أقررت بالدين، ويخصم كذلك من نصيب من أقر، أما من لم يقر فلا يخصم منه، وهل يخصم كل ذلك الدين من نصيب من أقر أو يخصم منهم بقدر حصتهم من الميراث، فمن ورث النصف مثلا خصم منه نصف الدين، قولان لأهل العلم، والجمهور على أنه لا يخصم من المقر إلا بقدر حصته، جاء في جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود لشمس الدين المنهاجي الأسيوطي الشافعي المتوفى: 880هــ: ولو أقر بعض الورثة بدين على الميت ولم يصدقه الباقون، قال أبو حنيفة: يلزم المقر منهم بالدين جميع الدين، وقال مالك وأحمد: يلزمه من الدين بقدر حصته من ميراثه، وهو أشهر قولي الشافعي والقول الآخر: كمذهب أبي حنيفة. اهــ.

وقال النووي في المجموع: ولو أقر بعض الورثة على الميت بدين وأنكر بعضهم، فلا يلزم المقر إلا بقسط نصيبه من التركة. اهــ.

وفي الذخيرة للقرافي المالكي: قال الطرطوشي: إذا أقر بعض الورثة بدين على الميت لزمه بقدر حصته، قاله مالك، وقال ابن حبيب أصحاب مالك كلهم يرون هذا القول. اهــ.

ولكن لو شهد اثنان من الورثة عند القاضي بما ذكرته من أخذ والدك المال، خصم الدين من كل الورثة، لأن الأمر ارتقى من مجرد إقرار إلى شهادة، ففي كشاف القناع للبهوتي الحنبلي: وإن أقر بعضهم ـ أي الورثة ـ بدين على الميت بلا شهادة، لزمه من الدين بقدر ميراثه... فإذا ورث النصف، فنصف الدين... ما لم يشهد منهم ـ أي من الورثة ـ عدلان أو عدل ويمين، فيلزمهم الجميع أي جميع الدين.... اهــ.

والله  أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة