السؤال
إذا كان هناك شخص مسلم شديد الظلم، وفي الحديث: "إن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته" فكيف يتوافق هذا الحديث مع حديث: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير"، فأين الخير في أن يتركه الله ليظلم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر؟
إذا كان هناك شخص مسلم شديد الظلم، وفي الحديث: "إن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته" فكيف يتوافق هذا الحديث مع حديث: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير"، فأين الخير في أن يتركه الله ليظلم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الظلم المذكور شأنه شأن سائر الذنوب، يظن بعض الناس أن قضاءها على المؤمن يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له. رواه مسلم.
وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فقال: وما تسأله طائفة من الناس، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وقد قضى عليه بالسيئات الموجبة للعقاب، فكيف يكون ذلك خيرا؟ وعنه جوابان:
أحدهما: أن أعمال العباد لم تدخل في الحديث، وإنما دخل فيه ما يصيب الإنسان من النعم، والمصائب، كما في قوله: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك {النساء: 79}؛ ولهذا قال: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، فجعل القضاء ما يصيبه من سراء وضراء، هذا ظاهر لفظ الحديث، فلا إشكال عليه.
الوجه الثاني: أنه إذا قدر أن الأعمال دخلت في هذا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن ـ فإذا قضى له بأن يحسن، فهذا مما يسره، فيشكر الله عليه، وإذا قضى عليه بسيئة، فهي إنما تكون سيئة يستحق العقوبة عليها إذا لم يتب منها، فإن تاب أبدلت بحسنة، فيشكر الله عليها، وإن لم يتب ابتلي بمصائب تكفرها، فصبر عليها، فيكون ذلك خيرا له، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يقضي الله للمؤمن ـ والمؤمن هو الذي لا يصر على ذنب، بل يتوب منه، فيكون حسنة، كما قد جاء في عدة آيات، أن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة بعمله، لا يزال يتوب منه حتى يدخل بتوبته منه الجنة، والذنب يوجب ذل العبد وخضوعه، ودعاء الله واستغفاره إياه، وشهوده بفقره وحاجته إليه، وأنه لا يغفر الذنوب إلا هو، فيحصل للمؤمن بسبب الذنب من الحسنات ما لم يكن يحصل بدون ذلك، فيكون هذا القضاء خيرا له، فهو في ذنوبه بين أمرين: إما أن يتوب فيتوب الله عليه، فيكون من التوابين الذين يحبهم الله، وإما أن يكفر عنه بمصائب، تصيبه ضراء فيصبر عليها، فيكفر عنه السيئات بتلك المصائب، وبالصبر عليها ترتفع درجاته، وقد جاء في بعض الأحاديث: يقول الله تعالى: أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم ـ أي محبهم، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ـ وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأكفر عنهم المعائب. اهـ.
والله أعلم.