السؤال
كانت لدي فرصة لشراء دولارات بسعر جيد، وكانت تنقصني ١٠ آلاف، فاستلفتها من والدي على أن أردها له في اليوم الثاني، لكنني أحببت أن يشاركني المكسب، فأرجعت له ماله دولارات بثمن ١٠ آلاف وقت الشراء، مع العلم أن السوق كان أعلى في ذلك الوقت، فهل في ذلك محظور؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على الدائن أن يرد إلى المدين أكثر من حقه عند السداد من باب حسن القضاء، إن لم يكن عن شرط وإلزام؛ لأنه حينئذ تبرع محض من الدائن، وقد رغب فيه الشارع؛ لما ثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خياركم أحسنكم قضاء.
ثم إن سداد الدين بعملة أخرى إذا لم يكن عن شرط، بل اتفق الدائن والمدين على ذلك عند الوفاء، فلا حرج فيه، وهو عقد صرف على ما في الذمة، وحكمه حكم الصرف على ما في اليد، ويشترط أن يكون بسعر يومه، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدورة الثامنة:
أـ يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد ـ لا قبله ـ على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين، إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد. انتهى.
وهذا ما ذهب إليه طائفة من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين؛ لحديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في المسند، والمستدرك، والسنن قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فوقع في نفسي من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة ـ أو قال حين خرج من بيت حفصة ـ فقلت: يا رسول الله، رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فقال: لا بأس أن تأخذهما بسعر يومهما، ما لم تفترقا وبينكما شيء.
وجاء في بحر المذهب للروياني: وقال ابن أبي ليلى: يكره إلا بسعر يومه لهذه الزيادة في الخبر.
وفي المبدع لابن مفلح: يجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر على الأصح إن حضر أحدهما والآخر في الذمة مستقر بسعر يومه، نص عليه -أي: أحمد-. انتهى.
وفي المنتهى: واعتبر سعر يومها للخبر، ولجريان ذلك مجرى القضاء، فتقيد بالمثل، وهو هنا من حيث القيمة لتعذره من حيث الصورة، ذكره في المغني... فإن نقصه عن سعر المؤجلة أو غيرها لم يجز للخبر. انتهى منه بتصرف يسير.
وجاء في المعايير الشرعية: المبادلة في العملات الثابتة دينا في الذمة ـ تصح المبادلة في العملات الثابتة دينا في الذمة إذا أدت إلى الوفاء بسقوط الدينين محل المصارفة، وتفريغ الذمتين منهما، ومن صورها ما يأتي:
أ ـ تطارح ـ إطفاء ـ الدينين، بأن يكون في ذمة شخص دنانير لآخر، وللآخر في ذمة الأول دراهم، فيتفقان على سعر المبادلة لإطفاء الدين كله أو بعضه تبعا للمبالغ، ويطلق على هذه العملية أيضا المقاصة.
ب ـ استيفاء الدائن دينه الذي هو بعملة ما بعملة أخرى، على أن يتم الوفاء فورا بسعر صرفها يوم السداد.
وبعض أهل العلم لم يشترط ذلك، جاء في الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني: وإذا كان لرجل على رجل دين درهم حال من ثمن بيع أو قرض، فأخذ منه بها دنانير بسعر يومه أو أغلى أو أرخص، فلا بأس بذلك، وهذا جائز إذا كان يدا بيد.
وعلى القول الأخير، فإنه لا حرج في المعاملة المذكورة، والأحوط اجتنابها فيما يستقبل خروجا من الخلاف، واجتنابها لا يمنع الإحسان إلى الدائن، وإعطاءه أكثر من حقه لمن رغب في ذلك.
والله أعلم.