الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدب الدائن والمدين

السؤال

أخذت من بعض أصدقائي مبلغًا من المال سلفةً لمشروعٍ ما منذ عشر سنوات، ثم خسرت كل شيء، ووصل بي الحال إلى فقر شديد، وهم يعلمون كل شيء عني، وأخبروني أني في حلّ من أموالهم حتى يرزقني الله، وفجأة تغيّرت القلوب، وابتعدوا عني، ثم طالبوني بأموالهم بأسلوب غليظ فيه شيء كبير من التجريح والإهانة، فذكّرتُهم بوعدهم، فأنكروا؛ فتركوني عامًا كاملًا، ثم جاء أحدهم إلى مقرّ عملي، فخشيتُ الفضيحة، فقلتُ له: ليس لك عندي شيء، فشهّروا بي ودعوا عليّ على صفحات التواصل الاجتماعي، فاتصلتُ بهم، وأغلظتُ لهم القول، ثم شهدتُ لهم أني مديون لهم ولغيرهم، وأقسمتُ لهم أني لا أجد قوت يومي، وأخبرتُهم ألا يتواصلوا معي أبدًا حتى آتي لهم بنفسي وأسدّد ما لهم، وهم يدعون عليّ وعلى أهلي الآن، ويتهمونني أني سرقتهم، فكيف أعاملهم؟ وهل عليّ ذنب لأني أغلظت لهم القول؟ وإن أنا مت ولم أستطع السداد، فهل يعذّبني ربي؟ والله يشهد أني لا أجد قوت يومي. وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن اقترض ونيّتُه أن يؤدي دَينه، ثم عجز عن أدائه، دون تفريط منه، فلا تَبِعة عليه في الآخرة -إن شاء الله تعالى-، ولا يؤخذ من حسناته لصاحب الدَّين، بل يتكفّل الله عنه لصاحب الدَّين، ويرضيه عنه من فضله، كما سبق بيانه في الفتوى: 414490، وما أحيل عليه فيها.

والمدين المعسر لا تجوز عقوبته، ولا التعدّي على عرضه بالذمّ الباطل، بل يجب إنظاره إلى أن يتيسّر حاله، ويستحبّ التصدّق عليه بدَينه، أو التنازل له عن شيء منه؛ كما قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}، وانظر للفائدة الفتويين: 34990، 158771.

والدائن له أن يطالب بحقّه، ويتمسّك به، ولكن دون تعدٍّ على حرمة المدين، فإن أغلظ له القول، استحبّ للمدين أن يصبر عليه، ويتحمّل غلظته، كما في حديث أبي هريرة، قال: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّ، فأغلظ له، فهمّ به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لصاحب الحق مقالًا". رواه البخاري ومسلم.

قال ابن حجر في فتح الباري: أي: صولة الطلب، وقوّة الحجة، لكن مع مراعاة الأدب المشروع. اهـ.

وقال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير: فلا يلام إذا تكرر طلبه، وساء تقاضيه. اهـ.

وقال النووي في شرح مسلم: فيه: أنه يحتمل من صاحب الدَّين الكلام المعتاد في المطالبة. اهـ.

وقال ابن العطار في شرح العمدة: المُعْسِر لا يحلّ حبسه، ولا ملازمته، ولا مطالبته في الحال، حتى يوسِر، وهذا مذهب مالك، والشافعي، والجمهور.

وينبغي لمن عليه دَيْن ألا يضارَّ صاحب الدَّيْن بتعاطي أسباب الإعسار، وألا يؤلمه بكلام، ولا أذى؛ فإن ‌لصاحب ‌الحق ‌مقالًا، وليس لمن عليه الحق مقال. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني