الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الإقراض لإنشاء مشروع بشرط أخذ نسبة من الربح وتحمل الخسارة

السؤال

طلب شخص من آخر أن يُقرِضه مبلغًا من المال؛ لاستكمال تكلفة مشروع خاص به يريد العمل فيه، فقال له: سأُقرِضك المبلغ؛ بشرط أن تعطيني نسبة من الأرباح طوال مدة استفادتك من المبلغ؛ حتى تُرجِع لي القرض الذي عليك، وإذا قُدّر خسارة في المشروع، فيتحمّلها الجميع، فهل يجوز ذلك الاتّفاق؟ وإذا كان لا يجوز، فما الصيغة الصحيحة للاتّفاق الذي يُبعِد الإنسان عن الشبهة والحرام؟
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكلّ قرض جرّ نفعًا للمقرِض، فهو ربا؛ ولذلك لا يصحّ أن يقترن عقد القرض بشرط فيه مصلحة للمقرِض، بل يجب أن يتمحّض لمصلحة المقترض.

قال ابن المنذر في الإجماع: وأجمعوا على أن السلف إذا شرط عُشْر السلف هدية، أو زيادة، فأسلفه على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا. اهـ.

وقال ابن رشد في البيان والتحصيل: لا يحلّ السلف إلا أن يريد به المسلف منفعة الذي أسلفه خالصًا لوجه الله خاصة، ولا لنفسه، ولا لمنفعة من سواه. اهـ.

وقال النفراوي في «الفواكه الدواني»: السلف لا يكون إلا لله، فلا يقع جائزًا، إلا إذا تمحّض النفع للمقترِض. اهـ.

فإذا أراد صاحب المال أن ينتفع بماله عند المقترِض؛ فلا سبيل إلى ذلك إلا بعقد الشركة، أو المضاربة.

والمضاربة الشرعية عقد بين طرفين: أحدهما يقدّم مالًا، والآخر يتّجر فيه، على أن يكون للعامل جزء شائع من الربح، يتّفق عليه سلفًا مع ربّ المال؛ فيكون صاحب المال مشاركًا بماله، والمضارب بعمله.

وإذا حصلت خسارة، خسر كل منهما ما شارك به: فربّ المال يخسر ماله، والعامل (المضارِب) يخسر جهده.

ومن شروط صحة المضاربة: ألا يكون ربح المستثمر نسبة من رأس المال، بل نسبة مشاعة من الربح، وراجع في ذلك وفي بيان بقية شروط صحة المضاربة الفتاوى: 70438، 280756، 206356.

وعلى ذلك؛ فلا يصحّ في المضاربة أن يتحمّل الطرفان جميعًا خسارة المال، بل يتحمّلها صاحب المال وحده، ويخسر المضارب جهده.

ولا يتغيّر هذا الحكم حتى ولو اشترط ربّ المال على المضارِب أن يشاركه في الخسارة؛ فهذا الشرط باطل باتفاق الفقهاء، ويبقى العقد صحيحًا عند الجمهور، قال الخرقي في مختصره: إن اتّفق ربّ المال والمضارب على أن الربح بينهما، والوضيعة عليهما، كان الربح بينهما، والوضيعة على المال. اهـ.

وقال ابن قدامة في شرحه: «المغني»: وجملته: أنه متى شرط على المضارِب ضمان المال، أو سهمًا من الوضيعة؛ فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافًا. والعقد صحيح، نصّ عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة، ومالك. وروي عن أحمد أن العقد يفسد به، وحكي ذلك عن الشافعي ... والمذهب الأول. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني