السؤال
هل حادثة الإسراء والمعراج معجزة؟ أو بالأخص هل حادثة الإسراء فقط معجزة؟ وكيف يكون الإسراء معجزة بعد اختراع الطائرات، والصواريخ؟ أليست المعجزة سالمة من المعارضة؟ وأنتم ذكرتم في موقعكم أن من أوجه إعجاز رحلة الإسراء، أنه صلى الله عليه وسلم أسري به من المسجد الحرام، إلى بيت المقدس، صحبه جبريل عليه السلام، راكبا على البراق، وهو دابة دون البغل، وفوق الحمار أبيض، وربط البراق بحلقة باب المسجد. فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعاد في نفس الليلة، فيستطيع الآن أي شخص الذهاب والعودة من أي بلد، في زمن مقداره ليلة.
وإذا كان الجواب أن الإسراء عملية تمهيدية للمعراج، فأقول إنه توجد في القرآن الكريم سورة اسمها الإسراء، ولا توجد سورة اسمها (الإسراء والمعراج) ولا توجد إشارة في سورة الإسراء إلى المعراج، فلا يمكن القول (من وجهة نظري، وأنا لست عالما في أمور الشريعة الإسلامية) أن الإسراء رحلة تمهيدية للمعراج، وإذا لم يكن الإسراء معجزة (لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتحد المشركين بالإتيان بمثلها) فكيف يمكننا معرفة أن الخوارق التي حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم معجزات، أم تكريم من الله لنبيه فقط، وقد حدثت العديد من الخوارق للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتحد بها المشركين، مثل نبع الماء من بين أصابعه، واهتزاز جبل أحد، وشفائه لبعض المرضى وغيرها. وكل هذه الخوارق لم يتحد بها الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا من المشركين.
فهل يمكننا القول بأن نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم ليست معجزة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحد المشركين بالإتيان بمثلها؟
أرجو التوضيح.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتعريف المعجزة بالأمر الخارق للعادة، وتقييدها بالاقتران بالتحدي، والسلامة عن المعارض! هو تعريف المعتزلة، ومن وافقهم من الأشاعرة، وقد ناقش ذلك باستفاضة، وأبطله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفذ (النبوات).
ومما قال في ذلك: هم ضربوا مثالا، إذا اعتبر على الوجه الصحيح كان حجة -ولله الحمد - على صدق النبي، وعلى فساد ما ذكروه في المعجزات، حيث قالوا: هي الفعل الخارق للعادة، المقترن بدعوى النبوة، والاستدلال به، وتحدي النبي من دعاهم أن يأتوا بمثله. وشرط بعضهم أن يكون مما ينفرد الرب بالقدرة عليه. وهذه الأربعة هي التي شرط القاضي أبو بكر ـ يعني الباقلاني ـ ومن سلك مسلكه؛ كابن اللبان، وابن شاذان، والقاضي أبي يعلى ...
والثاني: أن يكون ذلك الشيء الذي يظهر على أيديهم، مما يخرق العادة، وينقضها. ومتى لم يكن كذلك، لم يكن معجزا.
والثالث: أن يكون غير النبي ممنوعا من إظهار ذلك على يده، على الوجه الذي ظهر عليه، ودعا إلى معارضته، مع كونه خارقا للعادة.
والرابع: أن يكون واقعا مفعولا عند تحدي الرسول بمثله، وادعائه آية لنبوته، وتقريعه بالعجز عنه من خالفه، وكذبه.
قالوا: فهذه هي الشرائط، والأوصاف التي تختص بها المعجزات.
فيقال لهم: الشرط الأول قد عرف أنه لا حقيقة له، ولهذا أعرض عنه أكثرهم.
والثاني أيضا: لا حقيقة له؛ فإنهم لم يميزوا ما يخرق العادة مما لا يخرقها. ولهذا ذهب من ذهب من محققيهم إلى إلغاء هذا الشرط؛ فهم لا يعتبرون خرق عادة جميع البشر ...
وأما الرابع: وهو أن يكون عند تحدي الرسول فيه، يحترزون عن الكرامات. وهو شرط باطل ... اهـ.
وقد استفاض وأطال، وأجاد في بيان ذلك، فراجعه بطوله إن أردت التفصيل.
والمقصود أن رحلة الإسراء آية من آيات النبوة، سواء أكانت خارقة لعادة أهل عصرها فقط، أم خارقة لعادة جميع البشر على مر الأزمان. وسواء حصل التحدي بها، أو لم يحصل. فإن خرق العادة الدال على صدق النبوة، حاصل بهذا القدر، والسلامة من المعارضة، شرط كل دليل صحيح.
قال شيخ الإسلام: آيات الأنبياء لا تكون إلا خارقة للعادة، ولا تكون مما يقدر أحد على معارضتها. فاختصاصها بالنبي، وسلامتها عن المعارضة، شرط فيها، بل وفي كل دليل؛ فإنه لا يكون دليلا حتى يكون مختصا بالمدلول عليه، ولا يكون مختصا إلا إذا سلم عن المعارضة. اهـ.
ومن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في خصوص جواب ما استشكله السائل، قوله: أهل كل بلد لهم عادات في طعامهم، ولباسهم، وأبنيتهم، لم يعتدها غيرهم. فما خرج عن ذلك، فهو خارق لعادتهم، لا لعادة من اعتاده غيرهم. فلهذا لم يكن في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسلف الأمة وأئمتها، وصف آيات الأنبياء بمجرد كونها خارقة للعادة، ولا يجوز أن يجعل مجرد خرق العادة هو الدليل؛ فإن هذا لا ضابط له، وهو مشترك بين الأنبياء وغيرهم. ولكن إذا قيل: من شرطها أن تكون خارقة للعادة؛ بمعنى أنها لا تكون معتادة للناس، فهذا ظاهر يعرفه كل أحد ... ولكن ليس مجرد كونه خارقا للعادة كافيا لوجهين: أحدهما: أن كون الشيء معتادا، وغير معتاد أمر نسبي إضافي، ليس بوصف مضبوط تتميز به الآية، بل يعتاد هؤلاء ما لم يعتد هؤلاء؛ مثل كونه مألوفا، ومجربا، ومعروفا، ونحو ذلك من الصفات الإضافية. الثاني: أن مجرد ذلك مشترك بين الأنبياء وغيرهم. وإذا خص ذلك بعدم المعارضة، فقد يأتي الرجل بما لا يقدر الحاضرون على معارضته، ويكون معتادا لغيرهم كالكهانة، والسحر. وقد يأتي بما لا يمكن معارضته، وليس بآية لشيء؛ لكونه لم يختص بالأنبياء. اهـ.
وقال في آخر الكتاب: قد قلنا: يجوز أن تكون آياتهم خارقة لعادة جميع الخلق، إلا للنبي، لكن لا يجب هذا فيها. اهـ.
وقال أيضا: آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها، ولا تحديه بالإتيان بمثلها، بل هي دليل على نبوته وإن خلت عن هذين القيدين. اهـ.
وقال: ومما يلزم أولئك أن ما كان يظهر على يد النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت من الأوقات، ليست دليلا على نبوته؛ لأنه لم يكن كلما ظهر شيء من ذلك، احتج به، وتحدى الناس بالإتيان بمثله، بل لم ينقل عنه التحدي إلا في القرآن خاصة، ولا نقل التحدي عن غيره من الأنبياء مثل موسى، والمسيح، وصالح، ولكن السحرة لما عارضوا موسى، أبطل معارضتهم. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 134749.
والله أعلم.