السؤال
كان شيخ في المسجد يقول: إن أحد الأئمة كان يروي الحديث من شخص، رأسه رأس حمار؛ لأنه كان يسبق الإمام، أو ينظر للأعلى بعد سمع الله لمن حمده، أو يفعل شيئا من ذلك.
فهل هذا الشخص موثوق لرواية الحديث، ألا يمكن أن يكون جنيا، أو شيطانا؟ أو كذابا!
وكذلك قصة أحد الأئمة الذي عرض اه الشيطان، وقال له: ماذا تركت في بغداد؟ فقال الشيطان: خلفت ورائي بشرا-المعتزلي-!
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلعلك تشير إلى ما ذكره العلامة علي القاري في (مرقاة المفاتيح شرح مشكاةالمصابيح) وغيره، أنه قد: حكي عن بعض المحدثين، أنه رحل إلى دمشق لأخذ الحديث عن شيخ مشهور بها، فقرأ عليه جملة، لكنه كان يجعل بينه وبينه حجابا ولم ير وجهه، فلما طالت ملازمته له، رأى حرصه على الحديث كشف له الستر، فرأى وجهه وجه حمار، فقال له: احذر يا بني أن تسبق الإمام، فإني لما مر بي في الحديث، استبعدت وقوعه، فسبقت الإمام، فصار وجهي كما ترى. انتهى.
فمثل هذه الحكاية لا تذكر لإثبات جواز سماع الحديث ممن رأسه رأس حمار، أو جواز أخذ العلم عنه، بل المراد التنفير من مسابقة الإمام، والاستئناس بهذه الحكاية أن ذلك قد يقع على الحقيقة.
فسؤالك لا يرد إلا إذا قلنا إن هذا الحديث الصحيح، قد تلقيناه عن هذا الراوي، الذي جعل رأسه رأس حمار.
وأما احتمال كونه جنيا، أو كذابا، فلا يؤثر في صحة الحديث، لأنه قد روي بسند رجاله معروفون، ثقات، أثبات.
وهذا الوعيد في مسابقة الإمام في رفع رأسه، قد رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: أما يخشى أحدكم، أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته، صورة حمار. وهذا لفظ البخاري.
ولمعرفة شيء من فقه هذا الحديث، راجع الفتويين: 27588، 94469.
وأما ما ذكرته من قصة الشيطان مع أحد الأئمة -وهو يحيى الزمي- عندما سأله من استخلفت ببغداد، فقال بشر المريسي، فهذه القصة في المنام، وليست في اليقظة، وليس فيها ما يستنكر من جهة المعنى، فإن بشرا هو الذي نشر القول بخلق القرآن، وهي عقيدة كفرية، بثها في الأمة، فأضل بها كثيرا من الناس، أفلا يكون هذا من أعوان إبليس وخلفائه؟
وهذه القصة قد رواها الإمام أبو بكر الخلال في كتابه السنة، فقال: أخبرني أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرسوسي، قال: ثنا جعفر بن أحمد، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن الحارث، قال: ثنا زكريا بن الحكم، عن جعفر بن محمد، قال يحيى الزمي قال: بينما أنا جاء من خراسان، إذ نمت ببعض الخانات، فتمثل لي في منامي شيء عظيم، له عينان في صدره، هالني أمره، فقالت: لا إله إلا الله. فقال: يا يحيى، صدقت، لا إله إلا الله. قال: فصارت العينان في موضع العينين. قال: قلت: ويلك، من أنت؟ فقال لي: يا يحيى، لا تعرفني؟ قال: قلت: لا، ما كنت أبالي أن لا أعرفك، من أنت؟ قال: هو إبليس. قال: فقلت له: لا حييت، من أين أقبلت؟ قال: من العراق. قلت له: وأي العراق؟ قال: بغداد. قال: قلت له: ما كنت تصنع ببغداد. قال: أستخلف بها خليفة. قلت: ومن الذي استخلفت؟ قال: استخلفت بشرا المريسي. قلت: وما أصبت أوثق منه تستخلفه؟ قال لي: إنه دعا الناس إلى شيء، لو دعوتهم ما أجابوني إليه. قال: قلت له: إلى ما دعاهم قال: إلى خلق القرآن, قال: فقلت له: يا ملعون، ما تقول في القرآن؟ قال لي: الله الله يا يحيى، إن كنت أعصي الله، فإن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ولا بمجهول. انتهى.
وننبه هنا إلى أمرين:
الأمر الأول: أنه لا ينبغي أن يسوى في التصديق والقبول بين حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أثر عن أحد الأئمة يروي ما رآه في منامه، فإن الحديث الثابت يحتج به، ويجب تصديقه، والمنام لا يحتج به، وإنما يستأنس به إن كان معناه صحيحا.
والأمر الثاني: أن ما أشكل على المسلم من الآيات، والأحاديث الصحيحة، فإنه لا يستنكرها، ويردها بمجرد عقله، بل الواجب عليه التسليم لله في دينه، ولرسوله في سنته، واتهام عقله إذا قصر عن إدراك وجه الحكمة في شيء من ذلك، فيسأل أهل العلم ما أشكل عليه حتى يبينوا له المعنى الصحيح.
والله أعلم.