السؤال
أعجز عن فعل معصية معينة لسبب ما، ولكن لو أتيح لي هذا السبب لفعلت تلك المعصية، فهل هذا حرام أم لا؟ وإذا كان حراما، فهل تجب علي التوبة من فعل لم أقم به؟ وللتوضيح: فإن المانع من المعصية لا يمكن تغييره، بمعنى أنني لن أستطيع أن أفعل هذا الذنب، فما موقف الدين من هذا المسألة؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعزمك على فعل المعصية متى ما أمكنك ذلك يعد ذنبا عند كثير من أهل العلم.
ومن ثم؛ فيجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذا العزم، والإصرار على فعل المعصية، وإن كنت عاجزا عنها، فإن إصرارك على فعلها، ونيتك الجازمة أن تفعلها متى أمكن ذلك، عمل قلبي تأثم به ـ كما ذكرنا ـ وقد وضح شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ هذه المسألة، وبين الصواب فيها أتم بيان، ونحن ننقل كلامه بطوله للفائدة، قال -رحمه الله-: فإن الناس تنازعوا في الإرادة بلا عمل، هل يحصل بها عقاب؟ وكثر النزاع في ذلك، فمن قال: لا يعاقب، احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به، أو تعمل به ـ وبما في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا هم العبد بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، وإذا هم بحسنة كتبت له حسنة كاملة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ـ وفي رواية: فإن تركها فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جرائي ـ ومن قال: يعاقب احتج بما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه، وبالحديث الذي رواه الترمذي، وصححه عن أبي كبشة الأنماري: عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجلين اللذين أوتي أحدهما علما ومالا، فهو ينفقه في طاعة الله، ورجل أوتي علما ولم يؤت مالا، فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان، قال: فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما، فهو ينفقه في معصية الله، ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا، فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان، قال: فهما في الوزر سواء.
والفصل في ذلك أن يقال: فرق بين الهم والإرادة، فالهم قد لا يقترن به شيء من الأعمال الظاهرة، فهذا لا عقوبة فيه بحال، بل إن تركه لله -كما ترك يوسف همه- أثيب على ذلك، كما أثيب يوسف؛ ولهذا قال أحمد: الهم همان: هم خطرات، وهم إصرار؛ ولهذا كان الذي دل عليه القرآن أن يوسف لم يكن له في هذه القضية ذنب أصلا، بل صرف الله عنه السوء والفحشاء، إنه من عباده المخلصين، مع ما حصل من المراودة، والكذب، والاستعانة عليه بالنسوة، وحبسه، وغير ذلك من الأسباب التي لا يكاد بشر يصبر معها عن الفاحشة، ولكن يوسف اتقى الله وصبر، فأثابه الله برحمته في الدنيا، ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون.
وأما الإرادة الجازمة: فلا بد أن يقترن بها مع القدرة فعل المقدور، ولو بنظرة، أو حركة رأس، أو لفظة، أو خطوة، أو تحريك بدن، وبهذا يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار ـ فإن المقتول أراد قتل صاحبه، فعمل ما يقدر عليه من القتال، وعجز عن حصول المراد، وكذلك الذي قال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان، فإنه أراد فعل ما يقدر عليه، وهو الكلام، ولم يقدر على غير ذلك؛ ولهذا كان من دعا إلى ضلالة كان عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء؛ لأنه أراد ضلالهم، ففعل ما يقدر عليه من دعائهم؛ إذ لا يقدر إلا على ذلك. انتهى.
ونيتك هذه المذكورة في السؤال هي من باب الإرادة الجازمة، لا من باب الهم الذي لا يؤاخذ به العبد، فتب إلى الله توبة صادقة، وانو نية جازمة أن تلتزم طاعته، وألا تقرب معصيته على كل حال.
والله أعلم.