هل تأخر علي بن أبي طالب عن مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما؟

0 201

السؤال

هل كان علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يرى أن الخلافة يجب أن تكون في آل البيت، وكان هذا سبب تأخره عن مبايعة الصديق -رضي الله عنه-؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فلم يكن علي ـ رضي الله عنه ـ يرى وجوب أن تكون الخلافة في آل البيت، ولا تأخر عن مبايعة الصديق لهذا السبب، وإنما تأخر عن مبايعته - مع إقراره بفضله وأنه الأحق بالخلافة - لأنه كان يرى أنه ينبغي أن يستشاروا في هذا الأمر، ولا يتقدم به دون رأيهم، ويدل لذلك بوضوح ما أخرجاه في الصحيحين من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في قصة بيعة علي، وفيها: فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي، فقال: إنا قد عرفنا فضلك، وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا، حتى فاضت عينا أبي بكر، فلما تكلم أبو بكر، قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال، فلم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته، فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر، فتشهد، وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر وتشهد علي، فعظم حق أبي بكر، وحدث: أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ولا إنكارا للذي فضله الله به، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا، فاستبد علينا، فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت، وكان المسلمون إلى علي قريبا، حين راجع الأمر المعروف.

قال في الفتح: قال المازري: العذر لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد، ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده، ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته، والانقياد له بأن لا يخالفه، ولا يشق العصا عليه، وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر. انتهى.

وقال المازري أيضا: ولعل عليا أشار إلى أن أبا بكر استبد عليه بأمور عظام كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره، أو أنه أشار إلى أنه لم يستشره في عقد الخلافة له أولا، والعذر لأبي بكر أنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف؛ لما كان وقع من الأنصار، كما تقدم في حديث السقيفة فلم ينتظروه. انتهى.

على أن التحقيق أن عليا بايع أبا بكر مع الناس في أول الأمر، ثم جدد البيعة بعد تلك المدة؛ لما بينه الحافظ في الفتح، وعبارته: قال القرطبي من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة، ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانا، لكن الديانة ترد ذلك، والله الموفق.

وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور، وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم، وقد صحح ابن حبان، وغيره من حديث أبي سعيد الخدري، وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر.

وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلا قال له: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة، قال: لا، ولا أحد من بني هاشم، فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح.

وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى؛ لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث، كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري: لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له، والحضور عنده، وما أشبه ذلك، فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته، فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة ـ عليها السلام ـ لإزالة هذه الشبهة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة