السؤال
كيف الانتهاء عن معصية تأصلت في القلب، وظن العبد أنه لا خلاص له منها، طالما بقي في الحياة؟
كيف الانتهاء عن معصية تأصلت في القلب، وظن العبد أنه لا خلاص له منها، طالما بقي في الحياة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الظن بأنه لا يمكنه التخلص من هذه المعصية، إنما هو من تلبيس الشيطان، وتزيينه له الباطل؛ ليحول بينه وبين التوبة، وإلا فما من معصية -مهما كانت- إلا والتوبة ممكنة منها، متى أخذ العبد بأسباب التوبة، وجاهد نفسه مجاهدة صادقة، وحمل عليها حملة صادقة، وكان جادا في سيره في طريق الاستقامة، وذلك أن الله -وهو أصدق القائلين- وعد من جاهد نفسه فيه بأن يوفقه ويهديه سبيله، فلا يسوغ لأحد بعد هذا، أن يزعم أنه جاهد نفسه مخلصا، فلم يصل، قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا {العنكبوت:69}.
فعلى هذا الشخص أن يبادر بتوبة نصوح من تلك المعصية، مبتعدا عن أسبابها وموجباتها، وليصدق في اللجأ إلى الله، والتضرع إليه أن يعصمه من هذه المعصية، عالما أنه سبحانه يجيب دعاء من دعاه مضطرا، صادقا في دعائه، وليستحضر قبح المعاصي، وآثارها السيئة على الفرد والجماعة، وأنها بمنزلة الطعام الشهي اللذيذ، لكنه مشتمل على سم قاتل فتاك، فهل يتصور أن عاقلا يقدم على أكل طعام مسموم مهما كانت شهوته داعية إليه، حاملة على تعاطيه؟!
وفي آثار الذنوب السيئة، يراجع الفصل النافع العظيم، الذي عقده الإمام ابن القيم في كتابه الداء والدواء لهذا الغرض، فإن من طالعه، وأدمن النظر فيه، علم قبح المعاصي وخطورتها، وأن العاقل لا يليق به تحمل هذه العواقب الوخيمة لأجل لذة عابرة سرعان ما تزول، ولقد أحسن من قال:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار.
وليستحضر هذا العبد عظمة الله تعالى، وصفات جلاله، وما أعده للعاصين من أليم عقابه، وليستحضر الموت وما بعده من الأهوال العظام، والخطوب الجسام، فإنه قل من يتمثل هذه المعاني العظيمة، ثم تحمله نفسه على مقارفة المعصية، وليصحب أهل الخير والصلاح، الذين تذكره صحبتهم بالله تعالى وطاعته، وتعينه على التقرب منه سبحانه، وليصدق في التوبة، ولينته عن معصيته فورا، فإذا قدر أنه زل وهفا وعاود المعصية، فليعد وليتب مهما تكرر ذلك منه، وليعلم أن مغفرة الله تنتظره ما دام كلما أذنب تاب، وليثق بالله، وليحسن ظنه به، وليجزم أن الله سيمن عليه بتوبة لا يعود بعدها للذنب، ما دام صادقا في مجاهدته، مخلصا في توبته -نسأل الله أن يمن علينا بالتوبة النصوح-.
والله أعلم.