حكم الاستعانة بالمصحف في أعمال الكهانة والعرافة

0 189

السؤال

أرجو منكم التكرم بالإجابة على المسألة التالية: شيخ يقوم بفتح المصحف للإجابة على أسئلة بعض الناس المتعلقة بأمور دنيوية، وذلك على النحو التالي:
(1) يفتح المصحف، ويطلب من السائل وضع أصبعه حيث يشاء، ثم يأتي الجواب في التو والحين.
(2) يبيت الشيخ بالخيرة، بعد أن يضع اسم السائل وأمه داخل المصحف لعدة أيام، ثم تكون الإجابة.
وإليكم طرفا من هذه الإجابات:
(أ) الخيرة ناشفة، في حالة الزواج.
(ب) البيت عتبته سيئة.
(ج) ريح أحمر، والمريض معيون من أعلى رأسه حتى قدميه، في حاله المرض.
السؤال: هل مثل هذه الممارسات صحت عن سلف الأمة؟
وهل هذا العمل يشبه عمل أهل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام، رغما عن استخدام المصحف؟ وهل هذا العمل من فعل الكهنة والعرافين، الذين جاء ذكرهم في الحديث الشريف؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فظاهر جدا أن ما يقوم به هذا الشخص، إنما هو من أعمال المشعوذين، ومسالك أهل الكهانة والعرافة، ومما يقطع به: عدم ورود مثل هذا الصنيع عمن يقتدى به من سلف الأمة. وقد أنكر عامة العلماء فتح المصحف من باب الفأل، مع أنه أهون بكثير من أفعال الشعوذة -من ادعاء كشف الغيب بالمصحف-، فالفرق بين الأمرين، كالفرق بين السماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع!

فإذ كان فتح المصحف لمجرد الفأل منكرا ومحرما، فإن ادعاء كشف الغيب بالمصحف بالطرق المسؤول عنها، أولى وأحرى بالإنكار!

قال القرافي: وأما الفأل الحرام، فقد قال الطرطوشي في تعليقه: إن أخذ الفأل من المصحف، وضرب الرمل، والقرعة، والضرب بالشعير، وجميع هذا النوع حرام؛ لأنه من باب الاستقسام بالأزلام. والأزلام أعواد كانت في الجاهلية مكتوب على أحدهما افعل، وعلى الآخر لا تفعل، وعلى الآخر غفل، فيخرج أحدهما، فإن وجد عليه افعل، أقدم على حاجته التي يقصدها، أو لا تفعل، أعرض عنها، واعتقد أنها ذميمة، أو خرج المكتوب عليه غفل، أعاد الضرب، فهو يطلب قسمه من الغيب بتلك الأعواد، فهو استقسام، أي طلب القسم الجيد يتبعه، والرديء يتركه، وكذلك من أخذ الفأل من المصحف أو غيره، إنما يعتقد هذا المقصد إن خرج جيدا اتبعه، أو رديئا اجتنبه، فهو عين الاستقسام بالأزلام الذي ورد القرآن بتحريمه، فيحرم، وما رأيته حكى في ذلك خلافا .اهـ. من الفروق.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما استفتاح الفأل في المصحف: فلم ينقل عن السلف فيه شيء، وقد تنازع فيه المتأخرون. وذكر القاضي أبو يعلى فيه نزاعا: ذكر عن ابن بطة أنه فعله، وذكر عن غيره أنه كرهه. فإن هذا ليس الفأل الذي يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يحب الفأل، ويكره الطيرة. والفأل الذي يحبه هو أن يفعل أمرا، أو يعزم عليه متوكلا على الله، فيسمع الكلمة الحسنة التي تسره: مثل أن يسمع يا نجيح، يا مفلح، يا سعيد، يا منصور، ونحو ذلك. كما {لقي في سفر الهجرة رجلا فقال: ما اسمك؟ قال: بريدة. قال: يا أبا بكر برد أمرنا}. وأما الطيرة بأن يكون قد فعل أمرا متوكلا على الله، أو يعزم عليه، فيسمع كلمة مكروهة: مثل ما يتم، أو ما يفلح ونحو ذلك. فيتطير، ويترك الأمر، فهذا منهي عنه. كما في الصحيح عن {معاوية بن الحكم السلمي قال: قلت: يا رسول الله منا قوم يتطيرون قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم} فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصد الطيرة العبد عما أراد. فهو في كل واحد من محبته للفأل، وكراهته للطيرة، إنما يسلك مسلك الاستخارة لله، والتوكل عليه، والعمل بما شرع له من الأسباب، لم يجعل الفأل آمرا له وباعثا له على الفعل، ولا الطيرة ناهية له عن الفعل، وإنما يأتمر وينتهي عن مثل ذلك أهل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام، وقد حرم الله الاستقسام بالأزلام في آيتين من كتابه، وكانوا إذا أرادوا أمرا من الأمور أحالوا به قداحا مثل السهام، أو الحصى أو غير ذلك، وقد علموا على هذا علامة الخير، وعلى هذا علامة الشر، وآخر غفل. فإذا خرج هذا فعلوا، وإذا خرج هذا تركوا، وإذا خرج الغفل، أعادوا الاستقسام.

فهذه الأنواع التي تدخل في ذلك: مثل الضرب بالحصى، والشعير واللوح، والخشب والورق المكتوب عليه حروف أبجد، أو أبيات من الشعر أو نحو ذلك مما يطلب به الخيرة، فما يفعله الرجل، ويتركه، ينهى عنها؛ لأنها من باب الاستقسام بالأزلام، وإنما يسن له استخارة الخالق، واستشارة المخلوق، والاستدلال بالأدلة الشرعية التي تبين ما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه وينهى عنه. وهذه الأمور تارة يقصد بها الاستدلال على ما يفعله العبد: هل هو خير أم شر؟ وتارة الاستدلال على ما يكون فيه نفع في الماضي والمستقبل. وكلاهما غير مشروع. اهـ.

فالخلاصة: أن الأفعال المسؤول عنها منكرة، بينة النكارة في الشرع، وهي داخلة في الاستقسام بالأزلام المنهي عنه. وانظر الفتوى رقم: 211003.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة