السؤال
يوجد في علم النفس مرض اسمه: (Kleptomania) وهو يعني الميل للسرقة من أجل السرقة، لا من أجل المال، أو شيء معين، وإنما فقط للسرقة، وعندما قرأت عن هذا المرض، تعاطفت مع من عنده هذا المرض؛ لأنه في حالة بلاء، ومن ثم فلو سرقوا وقطعت أيدهم - وأنا لا أعترض على شرع الله- لن أعيرهم، أو أحتقرهم، ولن يكون هناك عار عليهم، وليس الأمر مقتصرا عليهم فقط، فسؤالي أيضا منبعه الفتوى رقم: (321352) فسواء كان صاحب السؤال مارس ميوله الجنسية أم لا، فنظرة المجتمع، ونسبة الاحتقار له لن تتغير، والعار يلحقه في كل الأحوال، طالما ظل المجتمع غير مثقف بالمشكلة، علما أني لا أعني أن تصبح الأمراض النفسية شماعة للذنوب، أو أقصد التقليل من شأن المعاصي، أو أقول: إنها شيء جيد وطبيعي، ومرحب به، وإنما أسأل: هل يفسق من ينكر عار المعاصي، ويقول: إنما العار نتيجة الجهل، وضعف ثقافة المسلمين الحالية، ويختلف من شخص، ومجتمع إلى آخر، حسب ثقافته؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن كبائر الذنوب، وخصوصا الفواحش هي خزي وعار، وفضيحة في الدنيا والآخرة، ومن الأسباب الجالبة لغضب الرب تبارك وتعالى.
ومع قولنا: الفواحش خزي وعار، فإننا لا نعني بذلك التشهير بأهلها، وفضحهم إذا كانوا مستورين، وذلك أن الستر مطلوب شرعا، جاء في الموسوعة الفقهية: أجمع العلماء على أن من اطلع على عيب، أو ذنب، أو فجور لمؤمن من ذوي الهيئات، أو نحوهم ممن لم يعرف بالشر والأذى، ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعيا إليه، كأن يشرب مسكرا، أو يزني، أو يفجر متخوفا متخفيا، غير متهتك، ولا مجاهر، يندب له أن يستره، ولا يكشفه للعامة، أو الخاصة، ولا للحاكم، أو غير الحاكم، للأحاديث الكثيرة التي وردت في الحث على ستر عورة المسلم، والحذر من تتبع زلاته. انتهى.
وكذلك ينبغي أن نؤكد ما ذكرناه في الفتوى التي أشرت إليها في سؤالك برقم: 321352، أن من ابتلي بالفواحش لا يعتذر لهم بفعلهم المنكر، ولا يهون جرمهم، فهذا اعتذار من جنس حجة المشركين، كما قال تعالى: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا {الأنعام: 147}، وهو احتجاج باطل، لا حجة لهم فيه، إذ لو كان حجة لأحد في ذنب، لكان حجة لإبليس وفرعون.
فالنظرة الصحيحة لأصحاب الكبائر والفواحش: أن ننظر لهم بعينين:
إحداهما: عين القدر: فنرحمهم، ونشفق عليهم؛ لارتكابهم للمنكرات المسببة للعذاب.
والأخرى: عين الشرع: فنبغض أفعالهم وموبقاتهم، كما قال ابن القيم - رحمه الله – في نونيته:
وانظر إلى الأقدار جارية بما ... قد شاء من غي ومن إيمان
واجعل لقلبك مقلتين كلاهما ... بالحق في ذا الخلق ناظرتان
فانظر بعين الحكم وارحمهم بها ... إذ لا ترد مشيئة الديان
وانظر بعين الأمر واحملهم على ... أحكامه فهما إذن نظران
واجعل لوجهك مقلتين كلاهما ... من خشية الرحمن باكيتان
لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم ... فالقلب بين أصابع الرحمن.
قال شارح قصيدة ابن القيم: ابن عيسى -رحمه الله-: فمعنى كلامه أنك إذا نظرت إلى الخلق بعين الحكم رحمتهم؛ لأن مشيئة الله تعالى لا ترد، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولكن مع ذلك انظر إلى عين الأمر واحملهم عليها؛ أي: فحد الزاني، واقطع السارق، واجلد القاذف، واقتل القاتل، ونحو ذلك مما أمر الله ورسوله به. انتهى.
وعليه، فلا تكون فاسقا بكلامك ذاك، إلا إذا سوغت لأهل المعاصي معاصيهم، وأن فعلهم لا محذور فيه.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 252112.
والله أعلم.