السؤال
لدينا برنامج محاسبة (نقطة بيع) يتم تأجيره (وليس بيعه) للمحلات، والشركات، التي بدورها تقوم بإدخال المواد الخاصة بها عليه، وتجري عليه حسابات مبيعات تلك المواد.
فمثلا لو تم تأجيره لمحل بقالة، فإنه سيقوم بإدخال ما لديه من منتجات ومواد إلى البرنامج، وعند البيع تظهر المواد لديه، وتتم طباعة الفاتورة بحسب ما اشترى الزبون.
السؤال: لو أن إحدى الشركات، أو المحلات والتي تعمل بأمور مباحة في الجملة (فنحن لا نتعامل مع شركات مجال عملها محرم) كبقالة مثلا، ولكن قام بإدخال مادة محرمة على البرنامج كالدخان مثلا، واستخدمه عند بيعها. فهل نأثم نحن بذلك؟
مع العلم أننا نستطيع رؤية قائمة المواد لكل شركة؛ لأن الاستضافة على الإنترنت، فنحن في البداية لا نعرف ما هي المواد التي ستدخلها البقالة، لكن بعد أن يدخلها، نستطيع معرفتها، إلا إذا قام بتغيير الاسم عند الإدخال، كأن يسمي الدخان مثلا بأي اسم آخر.
ويصعب علينا ابتداء معرفة كل المواد عند كل شركة، أو محل قبل تأجيره. فهل يجب علينا أن نشترط على المستأجر عدم إدخال أي مادة محرمة إلى البرنامج، وإلا فتلغى المادة، أو يلغى عقده؛ أم لا علاقة لنا بهذا الأمر؛ لأن عمل الشركة بالجملة مباح؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقكم، وأن يزيدكم حرصا على تحري الحلال، والتجافي عن الحرام.
وفي البداية نبين أن المحرم في باب الإعانة على المعصية، وبيع ما يتوصل به إلى الحرام: هو أن يعلم البائع بقصد المشتري، أنه سيتوصل بالمبيع إلى معصية، ويلحق بالعلم: غلبة الظن أيضا عند بعض العلماء، وأما الشك فلا يوجب التحريم.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية -في الكلام عن بيع العصير لمن يتخذه خمرا-: اشترط الجمهور للمنع من هذا البيع: أن يعلم البائع بقصد المشتري اتخاذ الخمر من العصير، فلو لم يعلم، لم يكره بلا خلاف، كما ذكره القهستاني من الحنفية، وكذلك قال ابن قدامة: إنما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك: إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك.
أما الشافعية: فاكتفوا بظن البائع أن المشتري يعصر خمرا، أو مسكرا، واختاره ابن تيمية.
أما إذا لم يعلم البائع بحال المشتري، أو كان المشتري ممن يعمل الخل والخمر معا، أو كان البائع يشك في حاله، أو يتوهم: فمذهب الجمهور الجواز، كما هو نص الحنفية والحنابلة. ومذهب الشافعية أن البيع في حال الشك، أو التوهم مكروه. اهـ.
فما دمتم لا تعلمون بأن المستأجرين يقصدون التوصل بالبرنامج إلى محرم، فلا يحرم عليكم أن تؤجروه عليهم، ولو استعملوه بعد ذلك في معصية لم يلحقكم إثم.
وأما اشتراط عدم استعمال البرنامج في محرم: فلم نقف على من أوجب اشتراط ذلك، وفي كلام الفقهاء المتقدم نقله، عدم تحريم البيع حال الشك، ولم يذكروا وجوب اشتراط ذلك على المشتري، ثم إن مثل هذا الشرط واجب بالشرع أصلا، فهو من مقتضى العقد، وفق الشرع.
وتبقى صورة أخرى وهي: إذا علمتم أن البرنامج سيستعمل في محرم، لكن الغرض الأساس الذي يستأجر من أجله البرنامج هو المباح، والمحرم يسير عارض، -كبقالة يباع فيها الدخان- ، وقد أفتينا في بعض فتاوانا أنه لا تحرم إجارة البرنامج في مثل هذه الحالة، ما دام المحرم ليس هو الغالب والمقصود الأساس، وذلك لأنه يصح تبعا ما لا يصح استقلالا، كما في القواعد الشرعية، و(التابع لا يفرد بالحكم ما لم يصر مقصودا). كما جاء في شرح القواعد الفقهية للزرقا.
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي: يغتفر في الشيء ضمنا، ما لا يغتفر فيه قصدا. اهـ.
ولأن وجود مثل تلك المخالفات مما عمت به البلوى؛ فقل أن يوجد محل إلا ويباع ضمن ما يباع فيه ما هو منهي عنه شرعا, كما سبق في الفتوى رقم: 278341.
وقد سئل الدكتور سليمان الماجد: هل يجوز العمل كطيار في شركة طيران تقدم الخمر للركاب؟ علما بأن الطيار لا يقدم الخمر، وليس له علاقة فيها فهو فقط يقود الطائرة، ومعظم الشركات حتى العربية تقدم الخمر؟
فأجاب: فحيث إن قائد الطائرة لا يباشر تقديم الخمور بنفسه، ولا يأمر به، وأن الغرض الذي استؤجر لأجله غرض مباح في أصله؛ وهو قيادة الطائرة للملاحة الجوية، ونقل الركاب، فلا تعد قيادته لها محرمة؛ كتأجير البيت على من يعلم أنه يستخدمه في حرام تبعا لغرض السكنى؛ كمشاهدة محرم، أو حلق لحية، ولكن يحسن بالطيار المسلم البحث عن شركة لا تقدم الخمور على طائراتها؛ كما يجب عليه الإنكار عليها بالكتابة لها، ومناصحتها. اهـ.
والله أعلم.