السؤال
رأيت الفتوى رقم: 414741، ولدي تساؤل: كنت قليل الطهارة قبل ثلاث سنين، وكنت كثير السهر مما أنتج عندي شرودا، وقلة تذكر للأشياء التي مضت، وكنت كثير الانفعال، فذهبت عند طبيب نفسي فأعطاني دواءين: "Stilnox cr" و "Olanzapine o-line" والأعراض قد زالت قبل أن أذهب إلى الطبيب، لكنني ذهبت لظني أن عندي مرض الذهان من قلة النوم، ومر شهر وأنا أستعمل الدواء، وبقيت 7 أيام على انتهاء الدواء دون جدوى، وأعاني من قراءة الأفكار، وأحس أن كل من حولي ممن يعرفني أو مررت بجانبه يعلم ما يدور بخلدي. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في الشرع ما يدل على أن لكل إنسان شيطانا يلازمه ولا يفارقه، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد، إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك؟ يا رسول الله قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير.
ويمكن التحصن من شر القرين بالمواظبة على الذكر، والطاعات، فالمسلم إذا ذكر الله تعالى خنس عنه قرينه الشيطاني، وتأخر، وابتعد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء. رواه مسلم. وجاء في الحديث: وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا، فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي، وغيره، وصححه الألباني.
وروى الإمام أحمد عن أبي تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره، فقلت: تعس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إن قلت: تعس الشيطان تعاظم، وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت: بسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب. قال ابن كثير: فيه دليل على أن القلب متى ذكر الله، تصاغر الشيطان وغلب، وإن لم يذكر الله، تعاظم وغلب. اهـ.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: الشيطان يلتقم قلب العبد، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي، فيزينها له، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر صفية ـ رضي الله عنها -: أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. وقرب الملائكة والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار، سواء كان العبد مؤمنا، أو كافرا. اهـ.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة؛ لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله تعالى وتصاغر، وانقمع حتى يكون كالوصع، وكالذباب؛ ولهذا سمي الوسواس الخناس، أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس، أي: كف وانقبض، قال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس. انتهى.
وقد بينا مزيدا من التفصيل في سبل النجاة من الشيطان في هاتين الفتويين: 33860، 58076، فراجعهما.
والله أعلم.