الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو الاستمرار في طلب العلم، فإن طلب العلم بنية صالحة، والعمل به، ونفع المسلمين به، وحفظه على الأمة.. هو من أعظم القربات عند الله تعالى، ولا سيما في هذا الزمن الذي كثر فيه الجهل، وعم فيه الفساد.
ويكفي في فضل طلب العلم قول الله تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات {المجادلة:11}، وقوله عز وجل: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط {آل عمران:18}، وقوله تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون {الزمر:9}.
وطلب العلم هو من أفضل الأعمال لمن صحت نيته، كما جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح عن مهنا: قلت لأحمد: حدثنا ما أفضل الأعمال؟ قال: طلب العلم، قلت: لمن؟ قال: لمن صحت نيته، قلت: وأي شيء يصحح النية؟ قال: ينوي يتواضع فيه، وينفي عنه الجهل.
وجاء في تفسير القرطبي: وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله تعالى أعلمهم بما أنزل.
ولا شك أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ دينه، وشريعته، كما قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {الحجر:9}.
وقال الإمام محمد بن الحسن في كتابه الكسب: الله تعالى حكم ببقاء الشريعة إلى يوم القيامة، والبقاء بين الناس يكون بالتعلم، والتعليم، فيفترض التعليم، والتعلم جميعا..
وحفظ الله تعالى لشريعته يكون بحفظ العلماء الربانيين لها؛ ولذلك يجب على الأمة أن توفر من أبنائها من يتعلم شريعة الله، ويعلمها، وينفي عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، فلماذا لا تحاول وتسعى بكل جهد أن تكون من هؤلاء!؟
فالعلماء وطلبة العلم إذا فقدوا ضل الناس، وضاعوا، كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما ـ اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.
ولذلك؛ فإن أصحاب الهمم العالية يتسابقون لنيل هذا الفضل العظيم، والشرف الكبير الذي يحفظ الله به على الأمة شريعتها، ونصرة دينها، ولعل ما ذكرت من العوائق عن طلب العلم مصدره وساوس الشيطان؛ ليثبطك بها عن هذا الفضل العظيم الذي هو العلم وطلبه.. وقد ذكرت أنك اكتشفت أن الناس معذورون بجهلهم، وليس الأمر على إطلاقه، فقد نص العلماء على أن كل مكلف أقدم على فعل لا يعلم حكم الله فيه، فهو آثم، قال المازري المالكي في شرح التلقين: كل مكلف ملزم أن لا يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
وقال القرافي في الفروق: فكل من قدم على فعل يجب عليه التوقف حتى يعلم حكم الله فيه، فإن لم يفعل ذلك عصى معصيتين: بترك التعلم، وبترك العمل، ولا يعذر بجهله.
وقال أيضا: فمن ترك التعلم، والعمل وبقي جاهلا، فقد عصى معصيتين لتركه واجبين, وإن علم ولم يعمل، فقد عصى معصية واحدة بترك العمل, ومن علم وعمل فقد نجا.
وقال الأخضري: ولا يحل له أن يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه، ويسأل العلماء، ويقتدي بالمتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
فلو كان كل الجهل يعذر به لكان الجهل خيرا من العلم، وهذا لا يقول به عاقل، وانظر الفتويين رقم: 343438، ورقم: 195345.
وما أصابك من الفتور، وبرود الهمة لعله من الشيطان، فالشيطان عدو الإنسان، ويسعى إلى صده عن كل خير.. فواصل ما بدأت به من طلب العلم، واستعن بالله تعالى، ولا تعجز.. نسأل الله لك التوفيق.
ولمعرفة علاج الفتور والملل من الدراسة انظر الفتويين رقم: 70860، ورقم: 92961، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.