السؤال
أنا شاب عمري 25، ذهبت إلى بلاد الغرب، وكنت أعمى القلب في كل شيء، وقضيت هناك سنة، ورأيت كل شيء محرم على المسلم، وبدأت بالتفكير في هذا، وكيف رضيت أن أذهب إلى هناك ـ كفر، وخمر ـ ولا يوجد شيء محرم عندهم ـ وفي بعض المناطق الصلاة موضوع خطير، وفي كل الأحوال إذا تبين لهم أنك مسلم يخافون منك، ومن فضل الله علي تفتحت بصيرتي، وكنت أملك إقامة، وسأحصل على جنسية ذلك البلد، وبدأت أفكر في مستقبلي عند الله، وماذا سيحصل لي إن بقيت، وتزوجت وأنجبت، والمرأة عندهم لها كل شيء، والحمد الله الذي وفقني وتركت ذلك البلد من أجل مستقبلي مع الله، وأريد العودة إلى ذلك البلد للعمل، وأود أن أستشيركم في ذلك.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنحمد الله تعالى الذي من عليك بالهداية، ونسأله عز وجل أن يتم عليك نعمته، وأن يديم عليك عافيته.
وأما ما سألت عنه فجوابه أن تعلم حكم سفر المسلم لبلاد الكفر وإقامته فيها، وهذا الحكم خلاصته أن من لا يقدر على إظهار شعائر دينه، أو لا يأمن على نفسه، وأهله الفتنة، فلا يجوز له ذلك، ولا يبرره ضيق العيش، أو صعوبة العمل في البلد المسلم، فبحسب المسلم أن يجد الكفاف من العيش، مع حفظ دينه، فإن الدنيا زائلة فانية، والبركة فيها خير من الكثرة، والنعيم فيها لا مطمع فيه لعاقل يرجو الله والدار الآخرة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء. رواه الترمذي، وصححه، وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر. رواه مسلم.
ومر صلى الله عليه وسلم على سخلة ميتة، فقال لأصحابه: أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟ قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله، فقال: فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها. رواه الترمذي، وحسنه، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني.
ولذلك؛ فإنا نشير على السائل، وننصحه بالبقاء في البلد المسلم، وأن يستعين بالله تعالى على قضاء حوائجه، ونوصيه بحسن الظن بالله، وصدق التوكل على الله، ونبشره بأن الله تعالى لا يضيع أهله، وأنه لن يجد فقد شيء تركه لله، فما تركه لله عوضه خيرا منه، قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا... ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا {الطلاق: 2ـ 4}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: من يستعف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله. متفق عليه.
وانظر الفتويين رقم: 114297، ورقم: 290545.
والله أعلم.