السؤال
السلام عليكم
شيخنا الفاضل لقد أحببت أن توضحوا ما هو موقف علماء الدين من موقف معاوية بإعلان الخلافة لابنه يزيد وأليس هذا مخالفا لتعاليم الشورى وإن كان معاوية قد أخطأ فما يكون حكم ابنه يزيد الذي قتل الإمام الحسين رضي الله عنه؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعاوية رضي الله عنه من خيار ملوك المسلمين، ولا ريب أنه قد أخطأ بتولية الخلافة لابنه يزيد ، فقد كان في المسلمين من هو أحق بالخلافة وأصلح للأمة، ولكن لا يعني هذا الخطأ إهدار فضل معاوية رضي الله عنه، فله في الإسلام سعي مشكور وعمل مبرور وآثار حسنة، وقد ولاه عمر رضي الله عنه على الشام، وبقي معاوية على ولايته إلى تمام خلافة عمر وعثمان ، ورعيته تشكره وتشكر سيرته فيهم، وتواليه وتحبه، لما رأوا من حلمه وعدله، حتى إنه لم يشتك منهم مشتك ولا تظلمه منهم متظلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم، ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم... رواه مسلم.
ومعاوية رضي الله عنه كانت رعيته تحبه وهو يحبهم، ويصلون عليه ويصلي عليهم - أي يدعون له ويدعو لهم - وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا له، فروى أحمد عن العرباض بن سارية السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب.
وعن عمر رضي الله عنه قال: لما عزل عمير بن سعد عن الشام وولى معاوية قال الناس: عزل عميرا وولى معاوية. فقال عمر: لا تذكروا معاوية إلا بخير، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اهد به. رواه الترمذي.
وعن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر معاوية فقال: اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به. رواه الطبراني.
فلا يجوز إهدار فضل معاوية رضي الله عنه لخطأ أو أخطاء وقع فيها، فإنه إن كان وقع في هذه الأخطاء عن اجتهاد، فلا كلام؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر. متفق عليه.
وإن كانت هذه الأخطاء ذنوبا، فهي يسيرة في جانب ما له من حسنات، ولعل من المناسب أن نورد هنا ما رواه أحمد وعبد الرزاق عن حميد بن عبد الرحمن قال: حدثني المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية قال: فلما دخلت عليه - حسبت أنه قال - سلمت عليه ثم قال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ قال: قلت: ارفضنا من هذا أو أحسن في ما قدمنا له. قال: لتكلمن بذات نفسك. قال: فلم أدع شيئا أعيبه به إلا أخبرته به. قال: لا أبرأ من الذنوب، فهل لك ذنوب تخاف أن تهلك إن لم يغفرها الله لك. قال: قلت: نعم. قال: فما يجعلك أحق بأن ترجو المغفرة مني، فوالله لما ألي من الإصلاح بين الناس، وإقامة الحدود، والجهاد في سبيل الله، والأمور العظام التي تحصيها أكثر مما تلي، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات، ويعفو فيه عن السيئات، والله مع ذلك ما كنت لأخير بين الله وغيره إلا اخترت الله على ما سواه. قال: ففكرت حين قال لي ما قال، فوجدته قد خصمني، فكان إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير.
وحول هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين، ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين، طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا في ولايته وتقواه، بل في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد، والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء، دخل عليهم الداخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم.
فهذا جواب السؤال في ما يتعلق بموقف علماء الدين من معاوية رضي الله عنه، في توليته الخلافة ليزيد .
أما ما ذكرت من أن يزيد بن معاوية قتل الحسين رضي الله عنه، فانظر فيه الفتوى رقم: 4112، والفتوى رقم: 5568.
والله أعلم.