السؤال
عملت في شركة على أساس مرتب ونسبة من صافي أرباح كل مشروع، ثم بعد مرور سنة ونصف تقريبا والشركة قد حققت أرباحا قرر صاحب الشركة وفجأة أن يوقف النسبة مكتفيا بإعطائي المرتب فقط مما سبب لي حرجا ماديا وقد تحجج بحجج واهية إلا أن الحقيقة أنه يطمع في كسب المزيد، وقد اضطررت للقبول بالأمر الواقع بعد أن خيرني بالقبول أو الرفض، لأنني لا أستطيع الحركة بمرونة في البلد بسبب نظام الكفالة ووجود أسرتي معي في الغربة وعدم قدرتي على العودة إلى بلدي الذي أكلته الحرب، فهل يجوز لي أن آخذ ما يعادل الحد الأدنى من المعدل الشهري للنسبة من مال الشركة حسب حديث هند مع أبي سفيان على أنه حق لي لم يوفه لي؟ أم بسبب قبولي بهذا لا يجوز لي ذلك؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يصح الجمع بين هذه النسبة وبين الراتب المقطوع، على المشهور المفتى به من المذاهب الفقهية الأربعة، قال ابن قدامة في المغني: إن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز، نص عليه في رواية حرب.. ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئا من ذلك، لأنه عوض مجهول وعمل مجهول، وقد ذكرنا وجه جوازه، وإن جعل له مع ذلك دراهم معلومة لم يجز، نص عليه، وعنه الجواز، والصحيح الأول. انتهى.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 58979.
وعلى هذا؛ فالاتفاق المذكور لا يصح، وتصحيحه على كل المذاهب يكون بالاتفاق على راتب مقطوع، وأما الاتفاق على نسبة من الربح فقط، فيصح على مذهب الحنابلة دون جمهور العلماء، وبذلك يتضح للسائل أن قرار صاحب الشركة في محله، وللسائل أن يتفاوض معه في قدر هذا الراتب ويطلب رفعه، فإن قبل فالحمد لله، وإلا فلا حق له فوق ذلك، ولا يجوز له أن يأخذ شيئا فوق راتبه دون علم صاحب الشركة.
وأما ما مضى في السنة والنصف السابقة، وأنتم تعتقدون صحة التعاقد على النحو المذكور، فلا يلزمكم فيه شيء، لعدم علمكم بالحكم، ولكون ما فعلتم موافقا لرواية مرجوحة في مذهب الحنابلة، وذهب إلى صحتها أيضا: ابن سيرين، والنخعي، والزهري، وأيوب، ويعلى بن حكيم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 258328.
وأما حديث هند: فهو خلاف حال السائل تماما، فقد كانت تسأل عن النفقة الواجبة لها وولدها على زوجها، فحقها ثابت ومتيقن، وسبب استحقاقه ظاهر، قال المازري في المعلم بفوائد مسلم: نبه الناس في هذا الحديث على فوائد، منها: وجوب نفقة الزوجة ونفقة البنين، ومنها: أن الإنسان إذا أمسك آخر حقه وعثر له على ما يأخذ منه، فإنه يأخذه، لأنها ذكرت أنها تأخذ بغير علمه. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان لرجل عند غيره حق من عين أو دين، فهل يأخذه أو نظيره بغير إذنه؟ فهذا نوعان:
أحدهما: أن يكون سبب الاستحقاق ظاهرا لا يحتاج إلى إثبات، مثل استحقاق المرأة النفقة على زوجها، واستحقاق الولد أن ينفق عليه والده، واستحقاق الضيف الضيافة على من نزل به، فهنا له أن يأخذ بدون إذن من عليه الحق بلا ريب، كما ثبت في الصحيحين: أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وبني، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ـ فأذن لها أن تأخذ نفقتها بالمعروف بدون إذن وليه...
والثاني: ألا يكون سبب الاستحقاق ظاهرا، مثل أن يكون قد جحد دينه أو جحد الغصب ولا بينة للمدعي، فهذا فيه قولان، أحدهما: ليس له أن يأخذ، وهو مذهب مالك وأحمد، والثاني: له أن يأخذ وهو مذهب الشافعي، وأما أبو حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ فيسوغ الأخذ من جنس الحق، لأنه استيفاء، ولا يسوغ الأخذ من غير الجنس، لأنه معاوضة، فلا يجوز إلا برضا الغريم. اهـ.
والله أعلم.