السؤال
استيقظت بعد أذان الفجر بعشر دقائق، مع العلم أني كنت نائما منذ العصر، أي أني لم أكن في وعيي طيلة الليل، ونويت الصيام بعد استيقاظي، هل يقبل صيامي أم أقطعه؟
استيقظت بعد أذان الفجر بعشر دقائق، مع العلم أني كنت نائما منذ العصر، أي أني لم أكن في وعيي طيلة الليل، ونويت الصيام بعد استيقاظي، هل يقبل صيامي أم أقطعه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتبييت النية من الليل للصوم الواجب، شرط في صحته عند الجمهور، واختلف هؤلاء الجمهور هل تكفي نية واحدة في أول كل صوم يجب تتابعه، كصوم رمضان، أم لا بد لكل يوم من نية مستقلة مبيتة في ليلته؟
قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى- في المغني: لا يصح صوم إلا بنية، إجماعا، فرضا كان أو تطوعا، لأنه عبادة محضة، فافتقر إلى النية، كالصلاة، ثم إن كان فرضا -كصيام رمضان في أدائه، أو قضائه، والنذر، والكفارة- اشترط أن ينويه من الليل عند إمامنا، ومالك، والشافعي. وقال أبو حنيفة: يجزئ صيام رمضان، وكل صوم متعين بنية من النهار...
ثم قال بعد كلام: وتعتبر النية لكل يوم، وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، وابن المنذر. وعن أحمد أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر، إذا نوى صوم جميعه، وهذا مذهب مالك، وإسحاق؛ لأنه نوى في زمن يصلح جنسه لنية الصوم، فجاز، كما لو نوى كل يوم في ليلته.
ولنا: أنه صوم واجب، فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته، كالقضاء. ولأن هذه الأيام عبادات، لا يفسد بعضها بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها، فأشبهت القضاء، وبهذا فارقت اليوم الأول. انتهى.
ورجح العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع مذهب المالكية، والرواية الثانية عن أحمد، وهي إجزاء النية في أول الشهر، ما لم يتخلل الصوم قطع له لعذر -كسفر، أو حيض-، قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: وقوله: لصوم كل يوم واجب أي: يجب أن ينوي كل يوم بيومه، فمثلا في رمضان يحتاج إلى ثلاثين نية. وبناء على ذلك لو أن رجلا نام بعد العصر في رمضان، ولم يستيقظ من الغد إلا بعد طلوع الفجر، لم يصح صومه ذلك اليوم؛ لأنه لم ينو صومه من ليلته، وهذا الذي ذكره المؤلف هو المشهور من المذهب، وعللوا ذلك بأن كل يوم عبادة مستقلة؛ ولذلك لا يفسد صيام يوم الأحد بفساد صيام الاثنين مثلا.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يشترط فيه التتابع، تكفي النية في أوله، ما لم يقطعه لعذر، فيستأنف النية، وعلى هذا؛ فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله، فإنه يجزئه عن الشهر كله، ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع، كما لو سافر في أثناء رمضان، فإنه إذا عاد للصوم يجب عليه أن يجدد النية.
وهذا هو الأصح؛ لأن المسلمين جميعا لو سألتهم لقال كل واحد منهم: أنا ناو الصوم من أول الشهر إلى آخره، وعلى هذا؛ فإذا لم تقع النية في كل ليلة حقيقة، فهي واقعة حكما؛ لأن الأصل عدم قطع النية، ولهذا قلنا: إذا انقطع التتابع لسبب يبيحه، ثم عاد إلى الصوم، فلا بد من تجديد النية، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، ولا يسع الناس العمل إلا عليه. انتهى.
والخلاصة أن في صحة صومك -والحال ما ذكر- خلافا، والأحوط أن تقضي هذا اليوم خروجا من الخلاف؛ فإن الخطب يسير، وإن عملت بقول من يرى صحة الصوم، وسعك ذلك؛ فإنه قول قوي متجه.
وأما إمساكك في ذلك اليوم، فهو واجب على كل حال، وإنما وجب الإمساك لحرمة الزمن.
والله أعلم.